هل زرت يومًا مطعمًا فقط لأنه بإمكانك أخذ صورة جميلة أو غريبة باستخدام خلفية المطعم؟ وهل نظمت الطاولة بشكل معيّن قبل أن تتناول طعامك فقط حتى يمكنك أن تأخذ لها صورة مناسبة لانستاقرام؟ تعرف على تأثير الانستاقرام في حياتنا!

تستغرق منك هذه المقالة أربع دقائق من الوقت لقراءتها. منذ عقد أو أكثر، كان الناس يقرؤون مقالات بهذا الطول بشكل دوري وبسهولة في الصحف والجرائد، بينما لو كنت من أجيال الإنترنت، قد يكون من الصعب عليك إنهاء هذه المقالة حتى نهايتها. 

 

تَغيّر نوع المحتوى الذي نستهلكه ساهم بشكل كبير في الطريقة التي نتعامل بها مع المعلومات، ومع اعتمادنا على جرعات أصغر وأسرع من المحتوى، وجعل المحتوى البصري محوريًا، تصبح مهام مثل قراءة المقالات الطويلة دون تشتيت أكثر صعوبة.  

 

قلة الانتباه هي واحدة فقط من العوارض الجانبية التي طرأت على أدمغتنا في عصر الانستاقرام ، كيف حدث هذا التغيير، وهل يمكن لتطبيق إلكتروني يشغل حيزًا من مساحة هاتفك الذكي أن يتحكم في حياتك؟  

 

 

الانستاقرام غير وجه العالم:

 

 

مرّت أكثر من عشر سنوات على إطلاق تطبيق التواصل الاجتماعي الشهير في أكتوبر 2010، والذي تحوّل من منصة لمشاركة الصور مع الأصدقاء إلى منصة صنعت تغييرا ثقافيا طال كل مناحي الحياة، من الطريقة التي يصمم بها أصحاب المطاعم والمتاجر واجهاتهم، وحتى وجهات السفر الأكثر شعبية!  

 

يضم الانستاقرام اليوم 2.35

بليون

مستخدم نشط، وشعبية التطبيق هي واحدة من أهم العوامل التي جعلت منه وسيلة لصنع ظواهر حديثة عدة. 

 

 

هل هو جميل بما يكفي ليكون على انستاقرام؟

 

 

في السنوات التالية لولادة انستاقرام أخذ مصطلح جديد يطفو على السطح عند الحديث على التطبيق، وهو لفظ "

Instagrammable

والذي يمكن ترجمته بشكل حرفي إلى "يمكن نشره على انستاقرام" وتفسيرها بأن الشيء موضع الحديث هو جميل أو مثير للاهتمام بما يكفي ليتواجد على انستاقرام.  

 

يزيح هذا اللفظ الغطاء عن ظاهرة اجتماعية أكبر تمثلت في أن انستاقرام صنع معايير جمالية خاصة، وأن تأثير هذه المعايير أصبح جزءًا رئيسيًا من الطريقة التي نرى بها العالم من حولنا، وأيضًا جزءًا من اختياراتنا. 

هل زرت يومًا مطعمًا فقط لأنه بإمكانك أخذ صورة جميلة أو غريبة باستخدام خلفية المطعم؟ وهل نظمت الطاولة بشكل معيّن قبل أن تتناول طعامك فقط حتى يمكنك أن تأخذ لها صورة مناسبة لانستاقرام؟  

 

يمتد هذا التأثير بشكل أعمق وأكبر حتى أن بعض وجهات السفر الآن اكتسبت شعبية فقط بفضل رواجها على التطبيق، ويعتمد المسوقون وأصحاب الشركات قبل إطلاق منتج جديد على شكل المنتج وجاذبيته في الصور كعامل رئيسي بالإضافة لجودته.  

 

وعلى مستوى الأفراد، كان انستاقرام الدافع للكثيرين لتغيير مظهرهم الخارجي، بداية من تغيير طريقة ارتدائهم لمستحضرات التجميل، وحتى اللجوء للتدخل الجراحي للحصول على أجسام مناسبة أكثر لمعايير انستاقرام!  

 

 

 

 

 

 

 

 

انستاقرام يهدد الصحة النفسية:

 

 

يمكن بسهولة إعادة تصميم غرفة لتكون ملائمة أكثر للتصوير، ويمكن ترتيب طبق من الفاكهة ليصبح فنيًا أكثر ويحظى بالكثير من الاعجابات، لكن هل من الممكن تغيير المظهر الخارجي لشخص ما، أو حياته؟  

 

تحكي وسائل التواصل الاجتماعي في العادة قصصًا منقوصة، فكما تعمل الفلاتر على نزع العيوب من معظم الصور المنشورة، فإن أصحاب الصور ينزعون العيوب من حياتهم قبل نشر تفاصيلها المثالية، غير مدركين لتبعات ذلك على متابعيهم.  

 

مؤخرًا تتالت التنبيهات من أثر الانستاقرام على الصحة النفسية لمستخدميه ومتابعيه، حيث يقع المستخدمين عادة في فخ ربط القيمة الفردية لهم بعدد المتابعات والاعجابات التي يتلقونها، مما يعزلهم بشكل كبير عن الحياة اليومية، ويجعلهم حبيسي الاشعارات المتتابعة على شاشات هواتفهم. 

 

ويقع المتابعين في فخ "البحث عن الكمال"، وتتزعزع ثقتهم بأنفسهم عندما لا يكون انعكاسهم في المرآة مماثلا للصور التي تخفي فلاتر الانستاقرام عيوبها، بينما تستهلكهم المقارنة بين حياتهم وروتينيتها، وحياة المؤثرين المشوقة. 

 

لا يمكن ببساطة ربط

الارتفاع

المسجل لحالات الإكتئاب والقلق حول العالم بالانستاقرام كعامل مسبب، فالأمراض النفسية أكثر تعقيدًا وتكون أسبابها متعددة ومتشابكة، لكن يمكن الجزم أن وسائل التواصل الاجتماعي قد خلقت حالة من عدم الرضا، وكانت على الأقل عاملًا مساعدًا في ارتفاع هذه الأرقام. 

 

إدمان غير مسجّل:

 

 

هل تجد أنك تقضي وقتًا أكثر من اللازم على الانستاقرام؟ لو كانت الإجابة نعم فهذه ليست مصادفة، لأن التطبيق مصمم ليجذب انتباهك، وليبقيك -أونلاين- لأطول فترة ممكنة، سواء من خلال تصميم واجهة المستخدم أو من خلال الإضافات المتعددة "وهكذا هي أغلب مواقع التواصل الاجتماعي"، حيث نجح انستاقرام في اقتباس العديد من المميزات التي ساهمت في نجاح منافسيه، مثل "القصص" من سناب شات، و"الريلز" من تيك توك، والـIGTV من يوتيوب. 

 

إدمان الهاتف الذكي هي مشكلة لا ندرك حجمها الحقيقي، لأن المعتاد حولنا هو استخدام الناس هواتفهم باستمرار، لكن كأي إدمان آخر، بإمكان وسائل التواصل الاجتماعي أن تصبح هوسًا يمنعك من ممارسة نشاطات حياتك الطبيعية، أو من تكوين صلات ذات معنى مع الآخرين. 

تفسّر ظاهرة التصاق أجيال الإنترنت بالهاتف باستمرار "بالخوف من أن يفوتك شيء" FOMO حيث تتالى المواضيع الرائجة والتحديات والصيحات بسرعة لا تسمح لك بالغياب عن هذه المنصات لأسبوع مثلًا، بدون أن تشعر بأن الجميع يتكلم عن مواضيع لا تفهمها، وبأنك الآن لا تستطيع المواكبة.  

 

نلجأ للتطبيقات مثل انستاقرام للحصول على جرعة سريعة وسهلة من الدوبامين، أو لتشتيت أنفسنا عن مشاعر مزعجة مثل الملل، أو للبحث عن وسيلة لقضاء الوقت في خلال ساعات الانتظار، وتقل قدرتنا على التعامل مع هذه المشاعر كلما ابتعدنا عن هواتفنا.  

 

 

 

 

التوازن هو الحل:

 

 

أخيرًا، الانستاقرام أداة ممتازة للتواصل، والاطلاع على تجارب الآخرين، وآرائهم، وحتى لقضاء بعض الوقت، لكنه ليس بديلًا عن الحياة الواقعية، ولا ينبغي أن يكون مقياسًا لها. 

 

للحفاظ على صحة نفسية سليمة، أصبح من الواجب علينا جميعا الانتباه للطريقة التي نستعمل بها تطبيقات التواصل الاجتماعي كالانستاقرام، وأن نحرص على بناء مفاهيم سليمة حولها، مثل أنها لا تعبر بشكل حقيقي عن الواقع، وأنه ليس بإمكانها استبدال التجارب الحقيقية التي تساعد الشخص على التواصل مع الآخرين وبناء المهارات الشخصية. 

 

من المهم أيضًا التأكيد على أنه لا يمكن قياس قيمة أي شخص بالطريقة التي يظهر بها على الإنترنت، ولا بعدد الإعجابات التي يمكن الحصول عليها.  

 

بعد إصلاح هذه المفاهيم الرئيسية، يمكنك أن تحد من تأثير الانستاقرام على حياتك من خلال استخدام الخصائص التي يوفرها التطبيق للتقليل من سلبياته، ومنها القدرة على معرفة كم تقضي من الوقت على التطبيق كل يوم، ومحاولة قضاء وقت أقل. 

 

بإمكانك أيضًا أن تخفي عدد الاعجابات من على الصور في التطبيق، حتى تكون أقل عرضة للتأثر بعدد الإعجابات وما تعنيه من قبول.  

 

لا يمكن وصم تطبيقات التواصل الاجتماعي بأنها سيئة، لأنها مجرد آداة في أيدينا، وتعتمد تأثيراتها على استعمالنا لها، في المرة القادمة التي تطالع الانستاقرام، فقط تذكر:

التوازن هو الحل

.


مواضيع أخرى قد تهمك