بشكل عام لا يعطي الليبيون أهمية كبيرة للاسترشاد في استهلاك المياه، فمقارنة بدول الجوار يستهلك الليبيون كمية من المياه أكثر من المصريين والتونسيين والجزائريين، قد تكون أحد الأسباب هي رخص الرسوم المفروضة على استخدام المياه في ليبيا، أسعار المياه في ليبيا مدعومة بشكل كبير لدرجة أن الرسوم المفروضة لا تغطي التكاليف التشغيلية.
من يدير إمدادات المياه في ليبيا؟
تدير إمدادات المياه في ليبيا بشكل رئيسي خمس مؤسسات: الهيئة العامة للمياه، وإدارة مشروع النهر الصناعي العظيم، والشركة العامة لتحلية المياه، والشركة العامة لإمدادات المياه والصرف الصحي، ووزارة البيئة.
المصادر التي تعتمد عليها ليبيا في المياه؟
النهر الصناعي العظيم:
تعتمد ليبيا بشكل كبير على المياه من مشروع النهر الصناعي والذي يعد أضخم مشروع لنقل المياه في العالم، من الجنوب وحتى الشريط الساحلي -حيث تعيش الغالبية العظمى من السكان- ينقل النهر الصناعي المياه الجوفية من طبقات المياه الجوفية غير المتجددة والتي لا يمكن إعادة تغذيتها بالأمطار في جنوب البلاد عبر شبكات من الأنابيب التي يصل طولها إلى نحو 3500 كيلومتر.
آبار المياه البلدية:
تعتمد بعض المناطق على آبار تستخرج المياه من طبقات المياه الجوفية الضحلة التي تسمى آبار المياه البلدية.
إضافة إلى:
البعض من المحطات لتحلية المياه منتشرة عبر الساحل. و 75 محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي و16 سد رئيسي.
تعتمد ليبيا بشكل أساسي على إمدادات المياه من المصادر الجوفية والتي تمثل 97% من إمدادات المياه في ليبيا، في أوائل الستينات وخلال الطفرة النفطية تم تحديد ستة أحواض لاستغلال المياه الجوفية وفقًا لخصائصها الفسيولوجية والجيولوجية والهيكلية والهيدروجيولوجية المختلفة كما تم تصنيف موارد المياه الجوفية في هذه الأحواض إلى نوعين وفقاً لمصادرها: المتجددة وغير المتجددة. توجد الأحواض المتجددة في الشمال (في سهل الجفارة والجبل الأخضر وجزء من الحمادة الحمراء)، بينما توجد الأحواض الرسوبية الأخرى (مرزق و الكفرة والسرير) والتي تحتوي على مياه جوفية غير متجددة في الجنوب.
ويتجلى دور المياه السطحية في اقل من 3% من إمدادات المياه، أما بالنسبة للمصادر المتجددة نسبيا للمياه (تحلية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي) فهي تمثل 1.8% من المياه التي يتم إمدادها.
هل ليبيا مهددة بشحّ المياه؟
تعد ليبيا إحدى أكثر دول العالم جفافاً وتواجه أزمة مياه تنذر بالخطر، حيث الطلب على المياه أكبر بكثير من إمداداتها المتجددة، في فبراير من 2021، أعلنت اليونيسف أن: "أكثر من 4 ملايين شخص، بمن في ذلك 1.5 مليون طفل، سيواجهون مشاكل مائية وشيكة إذا لم يتم إيجاد حلول فورية وتنفيذها" ووفقاً للخبراء، فإن حالة الموارد المائية والبنية التحتية في ليبيا تقترب من مستويات الانهيار.
يأتي هذا وسط تقارير من منظمات عالمية تحذر من سوء الوضع المائي في ليبيا، والتي تتوقع أن يزداد الوضع سوءاً مع تغيرات المناخ وارتفاع درجات الحرارة ومعدلات التبخر العالية وارتفاع مستوى سطح البحث وزيادة حدوث الظواهر المناخية المتطرفة وزيادة النمو السكاني.
ما هي المشكلة بالتحديد؟
ارتفاع الطلب على المياه:
وهي تعتبر من الأسباب البشرية، يرتفع الطلب على المياه بسبب النمو السكاني المتزايد، فالاحتياجات المائية في تزايد نتيجة لتكاثر عدد السكان، كذلك تعاني ليبيا من الاستهلاك المفرط للمياه كما أشرنا سابقاً.
تلف شبكات الأنابيب:
تعرضت شبكة خطوط أنابيب النهر الصناعي للعديد من المشاكل والتي تضمنت العديد أعمال التخريب المقصودة و الأضرار المتسببة من قبل الحروب، والتي أدت إلى عدم مقدرته على العمل بكامل طاقته، الأمر الذي يهدد الأمن المائي للبلد بأكمله، ويعرض الملايين لخطر شُحّ المياه، وبسبب كل الظروف التي مرت وتمر بها ليبيا لم تخصص الدولة ما يكفي من الاستثمار لصيانة وإصلاح البنية التحتية لإمدادات المياه.
وإلى جانب تلف الأنابيب، يقتصر عمل النهر الصناعي في تغذية المناطق الساحلية والمدن الكبيرة بشكل أساسي ويعمل حالياً بنسبة 40% من إمكاناته الكاملة، وبالرغم من كونه مشروعاً ضخماً الا انه لم يوفر حلولاً جذرية للمشكلة، بما انه يعتمد على جلب المياه من الصحراء قد يؤدي هذا الأمر لانهيارات أرضية في المستقبل، وهو مشروع غير كاف لتغطية حاجة ليبيا من المياه، وصيانتُه مكلفة جدا للخزينة العامة، وكذلك عملية إدارته مكلفة للغاية.
أيضاً تلف وقدم شبكات أنابيب توصيل المياه في العديد من المناطق الليبية، وعدم قدرتها على تحمل التزايد المستمر في التعداد السكاني.
حفر الآبار الخاصة:
تلجأ العديد من الأسر الليبية لحفر آبار مياه جوفية في طبقات المياه الجوفية الضحلة وذلك بسبب عدم الاعتماد الكامل على مشروع النهر الصناعي العظيم وأيضاً بسبب انقطاع المياه المتكرر، حيث يعتمد نحو % 55 من السكان على الآبار الخاصة التي تستخرج المياه من طبقات المياه الجوفية الضحلة.
تشكل آبار المياه الجوفية خطراً على الأمن المائي بالذات في المناطق الساحلية، حيث يتسبب حفر هذه الآبار بانخفاض مستويات المياه الجوفية مما سيجعل الوصول إلى المياه العذبة أكثر صعوبة ويسمح لمياه البحر بالدخول لطبقات المياه الجوفية العذبة، وهكذا تتسبب مياه البحر في زيادة ملوحة المياه الجوفية في المناطق الساحلية وهذا يؤثر بشكل مباشر على جودة الغطاء النباتي والإنتاج الزراعي نسبة لزيادة الملوحة في التربة مما يجعلها أقل قابلية للزراعة.
للعديد من المناطق صعوبة في الوصول إلى المياه، وهذا ما كان عليه الحال لسنوات عديدة، مثل: زوارة وبني وليد وسبها وغات … وفيما تعتمد بعض المناطق على الآبار الجوفية بشكل كامل نظراً لعدم وجود أي حل آخر، يخلق هذا العديد من التحديات مثل: (توفير مضخات المياه وإمدادات الطاقة الكهربائية)، هذا بغض النظر عن صعوبة حفر مثل هذه الآبار في بعض المناطق بسبب عمق المسافة المطلوبة للوصول إلى مياه ذات جودة جيدة.
أيضاً، هنالك العديد من الأسئلة التي تحوم فوق موضوع "جودة المياه وبالذات مياه الآبار الخاصة"، ففي بعض الأحيان يمكن ملاحظة تسرب مياه الصرف من الحفر الامتصاصية أو "الآبار السوداء" إلى طبقات المياه الجوفية، الأمر الذي يمكن أن يعرض السكان لمستويات خطيرة من التلوث.
وفق تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وجد الباحثون تبايناً في جودة المياه في مدينة غات، حيث عبر المواطنون القاطنون في مناطق مثل: (تنجرابين وبركت) على شعور بالرضى تجاه جودة المياه أكثر من المواطنين القاطنين في المناطق الأخرى مثل: (غات المركز)، ويرجع ذلك للعديد من الأسباب ومنها: تلوث المياه بالصدأ بسبب تلف شبكة أنابيب المياه الخاصة بالأحياء السكنية.
عجز الإنتاج من محطات تحلية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي والسدود:
يمكن لتحلية المياه أن تكون البديل محتمل للمياه الجوفية كون ليبيا تتمتع بساحل طويل، وبالفعل تمتلك ليبيا بعض محطات تحلية المياه المنتشرة حول الساحل والتي تستخدم تقنيات (التحلية الحرارية و التقطير الغشائي)، الا ان هذه المحطات غير مستثمرة بشكل كافِ.
إحدى هذه المحطات خارج الخدمة حالياً، بينما تعمل المحطات الأخرى بنحو % 28 من قدرتها التشغيلية بسبب اهمالها وعدم صيانتها ونقص المواد الكيميائية وقطع الغيار المطلوبة وعلى الرغم من أن تحلية المياه أصبحت حلاً لندرة المياه في معظم البلدان القاحلة، إلا أن الحكومة الليبية لم تعتمد تحلية المياه كخيار استراتيجي.
تدير هذه المحطات سلطات مختلفة على الرغم من كونها مملوكة جميعا للحكومة، وتعد الجهات المسؤولة عن محطات تحلية المياه هي الشركة العامة للكهرباء في ليبيا والشركة العامة لتحلية المياه (GDC) والشركة العامة للمياه والصرف الصحي (GCWW).
أيضاً، تمتلك ليبيا 75 محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي، 10 محطات منها فقط تعمل في وقتنا الحالي، وتعالج هذه المحطات العشر أقل من % 11 من مياه الصرف المتولدة من المراكز الحضرية، حيث يتم تصريف ما تبقى من مياه الصرف الصحي في البحر دون أي معالجة مما يتسبب في أضرار جسيمة للبيئة بشكل عام وتلويث لمياه البحر والمياه الجوفية الضحلة.
كذلك، تمتلك ليبيا 16 سداً رئيسياً لتجميع المياه السطحية، إلا أن هذه السدود لا تساهم كثيراً في إمدادات المياه في البلاد بسبب معدلات التغذية المنخفضة.
وبهذا لا يغطي الإنتاج من جميع مشاريع تحلية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي وجميع مشاريع السدود العجز المائي في ليبيا.
التغير المناخي:
تغير المناخ هو واقع اليوم ويؤثر على المجتمعات في جميع أنحاء العالم، ويمكن ملاحظة هذه التأثيرات بشدة في المجتمعات التي تعيش في ظروف هشة مثل ليبيا، حيث شهدت ليبيا عام 2021 جفاف سد (وادي كعام)، الذي يعتبر أحد أكبر السدود في البلاد، ويرجع هذا جراء تغير المناخ الذي أدى الى مستويات عالية من التبخر وزيادة عدد أيام الجفاف وانخفاض المعدل السنوي لهطول الأمطار، حيث يتراوح معدل هطول الأمطار السنوي في ليبيا بين 100 – 600 ملم سنوياً، معظمها في مناطق الشريط الساحلي، بينما تواجه معظم المناطق الجنوبية الجفاف وزيادة التصحر بسبب مناخها الجاف.
وهكذا تؤثر ارتفاع درجات الحرارة وبالذات في فصل الصيف على زيادة حدة هذه المشكلة، حيث تنخفض مستويات المياه وبشكل كبير في الآبار الجوفية مفسدة المضخات ليبدأ المواطن المسكين في رحلة البحث اللامتناهية عن المياه ومصادرها وطرق توفيرها.
ما هو الحل؟
لطالما كانت المياه من أسباب الصراعات، وهذا سيناريو محتمل لصراع بين المقيمين في المناطق المهددة أكثر بشح المياه على مياه الشرب وبين المزارعين في حالة عدم حلحلة هذه المشكلة بشكل عميق وسريع وتوفير الوصول لمصادر مياه نظيفة وآمنة للجميع.
ذكر تقرير لمؤسسة فريدرش ايبرت بعنوان: إمدادات المياه في ليبيا تقترب من مستوى الانهيار - دعـوة إلى التحرك، ضرورة تحديد أدوار وصلاحيات كل المؤسسات التي تدير المياه في ليبيا وأهمية سد فجوات التنسيق بينها بغية تمكين الحكومة من تحديد ومعالجة مسائل قطاع المياه التي تنبع من إطارها المؤسسي.
وتمت الوصاية فيه للعديد من النقاط التي قد تساعد في إيجاد حل لهذه المشكلة التي تهدد ليبيا ومنها:
شراء قطع غيار ومواد كيميائية لتشغيل محطات التحلية القائمة.
الحد من استهلاك المياه في قطاع الزراعة.
إصلاح شبكات المياه، وضرورة تواجد شبكات عالية الجودة.
تأسيس مؤسسة حكومية تعمل على تطوير وإدارة محطات تحلية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي.
(تم إعداد هذه المقالة بالتعاون مع مجتمع قلوبل شيبرز - طرابلس).
المصادر
مواضيع أخرى قد تهمك
-
2021/02/15علاش مفروض نهتموا بالسلامة الرقمية؟علاش مفروض نهتموا بالسلامة الرقمية؟السلامة الرقمية هي العادات التي نحاولوا إدخالها في حياتنا الروتينية لحماية أجهزتنا ومعلوماتنا في العالم الرقمي زي العادات والتصرفات اللي نمارسوا فيها في العالم الواقعي لحماية أنفسنا
-
2023/01/11الإنترنت والبيئة، الإنترنت والبيئةالإنترنت والبيئةنتجاهل غالباً فكرة أن ما نقوم به على الإنترنت يؤثر على البيئة، متخيلين أن الإنترنت يأتينا أصلاً من مكان ما، لا نراه ولا نعلم شيئاً عن كيفية حصوله على الطاقة، ولا نعلم شيئاً عن ما الذي ينبعث منه.
-
2021/10/26قانون الجرائم الالكترونية – بعبع جديد لتكميم الأفواهقانون الجرائم الالكترونية – بعبع جديد لتكميم الأفواهبطريقة مريبة، أطل علينا مساء الأثنين 25 أكتوبر 2021، بعض نشطاء شبكات التواصل الاجتماعي بمسودتي مشروع قانوني الجرائم الالكترونية والمعاملات الالكترونية، ترجع حسب المكتوب لسنة 2018، ومطروحة في أجندة مجلس النواب الليبي بالبيضاء لجلسة يوم الثلاثاء 26 أكتوبر 2021، المشروع الذي مرر بأغلبية المجل