موضوع الخصوصية هو موضوع عملاق وليه تأثير شخصي وتأثير اجتماعي، والخطر على الخصوصية ممكن يكون تهجم مباشر علينا أو استغلال وتخويف لجماعات وشعوب بأكملها

كلنا سألنا نفسنا هذا السؤال لما نسمعوا بأخبار تغيير سياسات الخصوصية في واتساب، أو فيس بوك، أو تويتر، أو غوغل أو أي شيء نستخدموا فيه. أول فكرة خطرتلي كانت علاش أنا اللي في ليبيا بنهتم شن واحد أمريكي يشوف من اللي كتبته ومن اللي نشرته على النت؟ قلت ممكن القلق والفزع شخص يخص الغرب، وما يربطناش بيه شيء، فانطلقت نبحث باش نثبت هذا الموضوع، لكن تم إثبات العكس ليا وأدركت إن الموضوع مخيف عندنا وعندهم، وعند الكل، زي فيروس الكورونا والاحتباس الحراري، هذا شيء عالمي.

 

من أهم اكتشافاتي البحثية إن موضوع الخصوصية في العالم الرقمي مش بسيط أبدا وينقسم لعدة جوانب:

الأمن والأمان الشخصي:

هذا يتعلق بالمعلومات الشخصية للشخص، سواء الاسم، العنوان، رقم التليفون، ومعلومات أخرى ممكن تكون مهمة للشخص. تعرض معلوماتك للسرقة ممكن يأدي لضرر مادي وضرر معنوي. على المستوى المادي ممكن معلوماتك الشخصية يتم استخدامها للوصول لحسابك المصرفي أو أي حساب غير مصرفي فيه نوع من القيمة المالية زي مثلا الرصيد. الجانب المعنوي يتعلق أكثر باستخدام معلومات شخصية لابتزاز أفراد، وهذا الشيء ممكن يصير لو شخص قدر يهاكر حساب حد على السوشال ميديا أو تليفوناتهم أو كومبيوتراتهم، وممكن نقولوا إن الحد اللي ما يغلطش ما حد يقدر يشد عليه شيء، لكن الفكرة اهني مش في وجود غلط بل وجود معلومات شخصية الشخص ما يبيش ينشرها للعالم الخارجي، وزي ما لينا الحق في العالم الواقعي إن نقولوا حاجات وما نقولوش حاجات ثانية عن حياتنا، لين الحق كذلك في العالم الرقمي، تخيل روحك تفضفض لشخص مقرب ليك وتحكيله همك وفي الأخير حتقوله "بالله عليك خلي الموضوع بيناتنا"، اهني أنت كشخص، واحني كلنا كأفراد قررنا إن جلسة التفضفيض هادي مش للمشاركة العامة وتنتمي في دائرتي الشخصية اللي من حقنا كلنا نحافظوا على خصوصيتها وكذلك من واجبنا نحترموا خصوصيتها لغيرنا.

موضوع الأمن والأمان يقع تحت خانة الخصوصية الشخصية، ويتعلق أكثر بتعامل البشر كأفراد أو جماعات صغير بين بعضهم. زي ما حنشوفوا في هادي المقالة، موضوع الخصوصية يبدأ من الدائرة الشخصية ويتوسع ليدخل فيه عوامل زي المجتمع، الحكومة، والعالم كله.

مشاكل التتبع:

هذا الجانب يرتكز أكثر على التطبيقات اللي تطلب اذن بأخذ الموقع الجغرافي للشخص، وقادرة تتبع نشاط الشخص الجغرافي طول الوقت. الخصوصية المتعلقة بموضوع الموقع الجغرافي تنقسم لنوعين: النوع الأول ليه علاقة بأشخاص ممكن يتحصلوا على المواقع الجغرافية لأشخاص عبر هادي التطبيقات ويتعقبوهم يسببوا ليهم ضرر، هذا النوع يتصنف على إنه من الجرائم الإلكترونية والخطر اهني هو خطر شخصي لتعامل الناس بين بعضها.

 أما النوع الثاني فهو يتعلق أكثر بالجانب المعلوماتي ومرتبط بالشركات العملاقة اللي تستخدم موقعنا الجغرافي لوضع إعلانات مناسبة، أو حتى بيع معلومات الموقع لشركات أخرى واللي ممكن يتم استخدامها في تحليل جموع من الناس وفهم عادات تنقلهم سواء لغرض جيد أو سيء، كذلك يمكن استخدامها على سياق أكبر من جانب الحكومات لتتبع مواطنيها، اعتقالهم تهديدهم، وزي ما كلنا نعرفوا، القذافي كانت عنده القدرة على تتبع الناس المستخدمة للنت واللي تسبب في اعتقالهم، اختفائهم، وأحيانا مقتلهم. الجانب الاجتماعي لمشاكل التتبع ممكن يكون لغرض تجاري ولبيع منتج أو لغرض عمل تحليل للسوق، لكن يمكن كذلك يتم استخدامها لأغراض سياسية اللي ممكن تحط الشخص في خطر جسدي. في عدة دراسات عن أجهزة المراقبة والحكومات حول العالم، والباحثون قاموا بوصف السباق على أجهزة وبرامج الرقابة في يومنا على أنه مثل سباق التسلح النووي قبل أربعين أو خمسين سنة، وإن الخطر اهني مش بس صراع معلوماتي بين الحكومات، بل صراع بين القوة المهيمنة والناس.

:البيانات الكبيرة والبروباغندا

مع البيانات الكبيرة والبروباغندا دائرة الخصوصية بدت تتوسع خارج النطاق الشخصي لتحوي المجتمع، الحكومة، وأحيانا العالم، ببساطة أنا عبر تجميع بيانات كبيرة من الأفراد اللي اليوم أغلب شركات التكنولوجيا الكبيرة تقوم فيه، ومع تنوع المجتمعات المستخدمة لهادي التكنولوجيا، بدت في قاعدة بيانات كبيرة عن ناس من كل مكان وزاوية من العالم، هادي الكمية الكبيرة من المعلومات يمكن تتحلل وتستخدم لغرض جيد أو سيء. في سياق الأخبار على سبيل المثال، لما شركة زي فيس بوك يكون عندها معلومات عن موقعنا، عمرنا، اهتماماتنا، أرائنا السياسية، مثلا لقت إننا يساريين، أو يمينيين، أو مهتمين بالبيئة، فيس بوك حتحرص إنها تطلعلنا أخبار انتقائية تتناسب مع وجهات نظرنا واهتماماتنا، وهذا حيتسبب في إننا نتعرضوا لوجهة نظر وفكرة واحدة لكن مع الاعتقاد إن هذا هو الرأي السائد أو الرأي الأساسي، ومع الاعتقاد إننا عندنا تعرض لكل وجهات النظر وقمنا ببناء رأينا على معلومات موضوعية رغم إنها في الحقيقة كانت من طرف واحد. هذا على مستوى الأخبار، لكن كل فكرة، كل منتج، كل مرشح سياسي أو فكر سياسي، أو حتى فكر متعصب ممكن يتواجد بسبب أو من خلال هادي البيانات العملاقة وهادي الانتقائية. في مقالة أخرى، تكلمنا عن التدخل الأجنبي في مواقع التواصل الاجتماعي الليبية، وهادي تقع تحت جانب البيانات الكبيرة والبروباغندا الأجنبية اللي تتدخل في السياق المحلي.

كذلك في مقالة أخرى حديثة عن التوقع للمستقبل، يحكي الكاتب إن العلم في مرحلة من المراحل ممكن يوصل لمرحلة إعادة إنسان للحياة عن طريق استخدام المعلومات اللي شاركوها سواء صور، فيديوهات، لايكات أو تعليقات، لتحليل بياناتهم وإعادة بناء شخصياتهم في هيئة ذكاء اصطناعي وإننا حنقدروا نتواصلوا معاهم رقميا وكأنهم قاعدين على قيد الحياة، وفي احتمالية عالية إن هذا يصير خلال عشرين سنة، فشن رأيكم في هذا الموضوع؟

:التقدم التكنولوجي

مخترع شبكة الويب العالمية تيم بيرنر لي تكلم في مقابلة حديثا عن إن هدفه الأساسي كان خلق مساحة مفتوحة وحرة للتواصل بين الناس، لكن الوضع الحالي للبيئة الرقمية هو أبعد ما يكون عن ذلك بحيث إنها تحولت لبيئة خصبة لعدة أنواع من الجرائم وطرق التسبب بالأذى للغير سواء على المستوى الشخصي أو المستوى الاجتماعي، بالنسبة لتيم بيرنر لي، الحل يقع في تطوير إجراءات أمنية في الانترنت سواء كعادات يمارسها المستخدمون أو بروتوكلات وبرامج وأجهزة تحافظ على أمن المستخدم، كذلك تنظيم استخدام البيانات الكبيرة ومن قبل من يتم استخدامها بدل السوق الحالي المبني على شركات عملاقة تقوم باستخدام البيانات المستخدمين حول العالم وبيعها لأطراف غير معروفين في أحيان كثيرة واستخدامها في أغراض مشبوهة كذلك.

 

موضوع الخصوصية هو موضوع عملاق وليه تأثير شخصي وتأثير اجتماعي، والخطر على الخصوصية ممكن يكون تهجم مباشر علينا أو استغلال وتخويف لجماعات وشعوب بأكملها. الموضوع مش هيّن نهائيا وأنا لما بديت بحثي كنت نحسابه مش موضوع مهم، لكن مع نهاية بحثي أدركت إن المستقبل فعلا يعتمد على البيانات اللي احني نوفروها كأفراد بالبلاش بدون دراية إنه يمكن استخدامها مستقبلا ضدنا.

 


مواضيع أخرى قد تهمك