نتجاهل غالباً فكرة أن ما نقوم به على الإنترنت يؤثر على البيئة، متخيلين أن الإنترنت يأتينا أصلاً من مكان ما، لا نراه ولا نعلم شيئاً عن كيفية حصوله على الطاقة، ولا نعلم شيئاً عن ما الذي ينبعث منه.

الحقيقة أن كل نقرة ننقرها في الشبكة، وكل عملية بحث، وكل كلمة نطبعها في بريدنا الإلكتروني، وكل فيديو نشاهده أو نبثه، وكل ملف نخزنه في سحابة تخزين قد يؤثر على البيئة. وهذا المقال أيضاً، وطريقة جمعنا عن المعلومات الموجودة فيه، والكتابة عنه، والتعديل عليه، ونشره، كل ذلك يمكن أن يكون له تأثير على البيئة، وإنْ كان متناهي الصغر.

من أين يأتي التلوث؟

الأثر البيئي الذي يحدثه كل واحد منا ليس بالكبير، ولكن عندما يستخدم الإنترنت في وقتنا الحالي ما يقارب 5.3 مليار مستخدم؛ أي ما يعادل 66% من سكان الأرض، فإن هذا الأثر الناتج عن العدد الضخم من المستخدمين هو ما يجعل التلوث بالإنترنت واقعاً أدركته شركات التقنية الكبرى، مثل قوقل ومايكروسوفت وأمازون.

يأتي التلوث البيئي الذي ينتجه الإنترنت بدءاً بالجهاز الذي نستخدمه للدخول إلى الإنترنت، سواء أن كان هاتفاً، أو حاسوباً، أو جهازاً لوحياً. والى جانب استخدام جهازك للطاقة الكهربائية وشحنه من مصادر غير متجددة -غالباً-، هذا الجهاز -على الأغلب- قد صُنع في مصنع لا يعتمد على الطاقة المتجددة، واستهلك مقداراً من الكهرباء الآتية من مصادر غير متجدد كالفحم مثلاً.

ثم لننتقل إلى الهوائيات التي تمدنا بإشارة الإنترنت، والتي تستهلك قدراً كبيراً من الطاقة في تشغيلها وشحن بطارياتها من كهرباء تأتيها من دول عدة حول العالم من مصادر غير متجددة.

مراكز البيانات، عصب الحياة الرقمية التي تحفظ وتعالج البيانات وتمثل ركيزة كل شيء على الإنترنت فتستهلك 4% من الكهرباء حول العالم وتطلق 1% من إجمالي الغازات الدفيئة المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري. أما الإنترنت والنظم الخاصة به بشكل عام فتُطلق 4% من الغازات الدفيئة، وتشير التوقعات إلى أن ترتفع هذه النسب إلى 8% بحلول 2025، وإلى 14% عام 2040. أما استخدامه للكهرباء فيصل إلى ما نسبته 9% من الكهرباء سنوياً.

ما مقدار الانبعاث من كل منصة؟ تأثير الإيميلات والفيديوهات

البحث على قوقل:

يظل محرك بحث قوقل المحرك الأكثر استخداماً في العالم، ويبحث فيه حوالي 80% من مستخدمي الإنترنت عن ما يدور في ذهنهم. في كل عملية بحث على قوقل تُطلَق كمية 0.8جم من ثاني أكسيد الكربون، فلو بحثت بمتوسط 2.6 بحث يومياً لمدة سنة فإنك ستطلق 9.9 كجم من ثاني أكسيد الكربون.فكر الآن، كم بحثاً تبحثه على قوقل يومياً؟

البريد الإلكتروني:

بلا شك أن اختراع البريد الإلكتروني كان حدثاً مفصلياً في مسيرة التواصل البشري، فقد اُستبدل البريد العادي بالإلكتروني وحل محله لأنه أسهل، وأرخص، وأيسر.

تيم بيرنرز لي (مخترع الشبكة العنكبوتية العالمية) قال أن المستخدم المهني للبريد الإلكتروني ينتج 135 كيلوغرام من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، وهو ما يعادل قيادة سيارة مسافة 322 كيلو متر تقريباً.

نتفليكس:

كل ساعة مشاهدة على نتفليكس تنتج 55 جم من ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يساوي تسخين 4 أكياس فشار في المكرويف، او 3 غليات بإستعمال غلاية الماء الكهربائية. هذا بالنسبة للساعة الواحدة، فكم ساعة في المتوسط يقضيها مشتركو نتفليكس الذين بلغ عددهم حوالي 223.09 مليون على هذه المنصة؟

هل انعدام الإنترنت أصحّ بيئياً من وجوده؟

قد يضر الإنترنت وملحقاته بالبيئة بشكل أو بآخر، لكن انعدامه يضر بالبيئة أكثر من وجوده. فمع الإنترنت مثلاً اندثرت وظيفة ساعي البريد الذي يستخدم وسيلة مواصلات لا تعتمد على الطاقة البديلة بالطبع.

في غياب الإنترنت، ستضطر للذهاب بالطائرة إلى بلد آخر لإجراء اجتماع يمكنك إِجراؤه باستخدام تطبيق زووم وأنت في مكانك في وجود الإنترنت.

وبدون بحث قوقل ستذهب لعدة أيام بوسيلة مواصلات للمكتبة بحثاً عن معلومة يمكنك إيجادها بضغطة زر على محركات البحث، أو في المكتبات الإلكترونية.

إذَنْ، غياب الإنترنت ليس بديلاً صحيح بيئياً لوجوده، إذ سنضطر في غيابه لإيجاد بدائل تضر أكثر بالبيئة، ويَكمن البديل في إيجاد مصادر طاقة متجددة لتغذية البنية التحتية لعالم الإنترنت والشركات الكبرى المعتمدة عليه.

تفطنت الشركات الكبرى لخطرها على البيئة فعمدت أغلبها إلى أن تكون صديقة للبيئة مثل مايكروسوفت التي أعلنت في عام 2012 أن صافي إنتاجها للكربون تساوى الصفر، وتطمح بحلول 2030 إلى أن تكون معدومة البصمة الكربونية.

ورغم أن كل هذه الإجراءات الصديقة بالبيئة إلى أن الشركة ما زالت تشعر بتعذيب ضميرها البيئي فقد وعدت بحلول 2050 بإزالة كل الكربون الذي أنتجته منذ 1975.

وأنت كيف يمكنك أن تساهم في تقليل البصمة الكربونية؟

1- بدلاً من شراء أجهزة جديدة باستمرار لغرض تصفح الإنترنت بها، حاول شراء أجهزة مستعملة نظيفة، وذلك في محاولة لتقليل الاستهلاك وتبطيئ حركة الإنتاج المستمرة للأجهزة والتي تستهلك كميات كبيرة من الطاقة. وتشابه هذه الفكرة ما يعرف في عالم صناعة الملابس بالموضة البطيئة التي تهتم بالبيئة في مواجهة الموضة السريعة التي تلوثها.

2- انزع شواحن أجهزتك التي تتصفح بها الإنترنت من مقابس الكهرباء عند الانتهاء من شحنها، واطفئ الأجهزة عند انتهائك من العمل، لتبطيء من استهلاك البطارية ولتقلل من حاجتك للشحن وبالتالي تقليل استهلاكك للكهرباء.

3- استخدم الأجهزة لوقت أقل لتقنين استهلاك البطارية من ناحية ولراحتك النفسية من ناحية أخرى فهي أهم من البيئة :)

4- قد تكون نصيحة غير عقلانية، أَعْلم، ولكن لو كنت شديد الحرص على البيئة قلّل من جودة الفيديوهات التي تشاهدها قدر الإمكان.

5- الغِ اشتراكك بالقوائم البريدية غير الضرورية والتي لا تهتم بها، واحرص على على تفريغ الصندوق البريد الوارد باستمرار، ذلك لأن رسائل البريد تخزن في الخوادم، والخوادم تستهلك كهرباء قد تكون من مصادر غير متجددة.

6- إذا كنت تخزن بياناتك سحابياً، استخدم خدمة تخزين سحابي تعتمد على الطاقة المتجددة. مثل خدمة سحابة قوقل (Google cloud)، وخدمة أزور (Azure) المقدمة من مايكروسوفت.

هل فكرتم من قبل أن الإنترنت قد يؤثر على البيئة؟

مواضيع أخرى قد تهمك