سارة الناجحة قبل يومين في تخصصها نزلت مجموعة من الصور على مختلف حساباتها على مواقع التواصل تعبيراً على الفرحة؛ لأنها تشوف في الأمر يستحق المشاركة والفرحة مع الكل.
على الجانب الآخر عندنا سارة أخرى ولكن أيّامها مش سارّة أبداً!
هذه السارة تصحو في بداية اليوم بتأفّف، تشعر بأن اليوم الإضافي في حياتها ليس إلا ثقل آخر يضاف على أثقالها، تتصفح حساباتها مدة نصف ساعة إلى ساعة ونصف ثم تبدأ اليوم بعدما أقنعت نفسها أنها مطمئنة لما قامت به من لفّـة سريعة -حسب نظرها- على آخر أخبار العائلة، والأصدقاء، والزملاء، والدفعة الدراسية، والمشاهير… الخ.
تطلب قهوةً من مقهى جديدة، تصورها باحترافية وتضعها في مقدمة قصص اليوم المعتادة، تشارك جزءاً من محاضراتها، ووجبة الغداء، والطريق نحو المنزل.
تأخذ قسطاً من الراحة، ولكن ليس على السرير إنما على الهاتف بين مقاطع مصورة سريعة، معلومة في دقيقة، مشهد كوميدي، ذكرى منذ عامين، والعديد من الأشياء التي تظهر بمختلف أنواعها.
قد مر منتصف اليوم، وحان وقت التجمع العائلي، والذي تجمع فيه الجميع على هواتفهم أيضاً!
الشعور بالخمول والكسل حالياً في ذروته عند سارة ولكن لابد من جرعة دوبامين (خطيرة) تصنع لنشاطها طريق عودة (حسبما تعتقد)، فتمسك الهاتف متصفحة للمرة الثانية بعد الخمسون في هذا اليوم -الذي هو ككل يوم يمر عليها- فيقابلها أول منشور على منصتها محتوياً فرحة نجاح سارة -الأولى- في تخصصها الدراسي بتفوق!
ومن هنا تبدأ الدوامة الحقيقية لسارة الثانية.
نأخذ المشهد الآن من بُعد أكبر على السارتين المختلفتين كلياً:
الأولى: يبدأ صباحها بنشاط، تنظم المهام اليومية وتنطلق نحو وجهتها دراسةً كانت أو عملاً، تجتهد في سبيل ألا تلهيها تسارع الأشياء من حولها، ليس للمواقع في يومها نصيب عدا ساعة متقطعة، وإن قامت بنشر شيء فيكون لقطة النهاية وحسب، أو أشياء انتهت فترتها وأصبحت ماضياً…
الثانية: تلهث وراء كمال الحياة وتفاصيل اليوم ولكن ليس على واقعها، بل على مواقعها بُغية أن تكون كمن تتابعهم، فالمثالية هي الهدف، ولا وجود للعفوية أبداً!
وكلما قدّمت ظنت أن ما تقدمه لا يكفي، وأنها في وادٍ غير واديهم! ماؤهم يصب في غير مصب مائها؛ وهنا تحديداً تدرك السارة أنها غير سارة بحياتها حيث لا تستطيع تقبلها، ومهما فعلت لا ترى تغييراً، بل التغيير يحصل في داخلها من العادية إلى التعيسة التي تود الانعزال!
على القارئ أن يكون واعياً بأن الجري وراء أنموذج الجماليات والمثاليات ما هو إلا مضيعة للنفس في طرقات التيه والعزلة، بينما التركيز على خطوات الحياة بشكل مُجدّ يصنع نتائج مبهرة تمكّنك من الظهور بشكل يظنه غيرك مثالاً
القصة تطرح مثال بسيط عن أحد أسباب تأثّر الصحة النفسية بمواقع التواصل، ولو بنحكوا على كل الأسباب فالقائمة ستطول جداً ومن الصعب تنحصر في قصة وحدة! ولكن الأهم في نتيجة كل قصة هو وعيك بمدى ضرورة التخلّي عن ضرورة تصفح أخبار الآخرين ونشر أخبارك بشكل يومي ومشاركتك في كل ترند وإنك مجبر تكون فاهم كل شي؛ افهم نفسك ! وماتخليش المركب يرفعك
مواضيع أخرى قد تهمك
-
2021/10/23هل تقرأ الشركات محادثاتنا؟ وشن هو التشفير بين الطرفيات؟زعما يقدروا يقروا محادثاتنا ؟ "محادثاتنا في تطبيقات المراسلة وكل البيانات والمعلومات الشخصية والصور والملفات وغيرهم، زعما يقدروا الشركات يشوفوهم؟ وهل يقدر حد من الخارج "كـHacker" انه يسرقهم؟"
-
2023/12/27زاويتي نظر (قصة عن خطاب الكراهية ضد المرأة)يسبب خطاب الكراهية الموجه ضد النساء في عزلهم ومنعهم من المشاركة على منصات التواصل الاجتماعي، بالإضافة للتأثيرات السلبية والتي قد تتصاعد لتهدد السلامة النفسية والجسدية للمتضررات.
-
2021/02/06شن هو التصيد الإلكتروني؟ وكيف نحموا أنفسنا منه؟التصيد الإلكتروني هو جريمة الكترونية من قبل أفراد أو جماعات تتم عن طريق إرسال بريد إلكتروني أو إنشاء صفحات وهمية تتستر بغطاء مؤسسات قانونية بش تسرق البيانات الشخصية السرية للمستخدمين