في عصر اختلط فيه الأمر وتدفقت فيه المعلومات بوفرة فائضة بين أطراف أصابعنا، فبين معلومات موثوقة وأخرى مغلوطة، نجد أنفسنا في حاجة ماسة إلى تطوير سلوكياتنا ومهاراتنا في التعاطي مع المحتوى والأخبار التي نتناولها بشكل يومي على منصات التواصل الاجتماعي. فالاكتفاء بقراءة الأخبار دون تحليلها وتقييم مصداقيتها وتحديد مصدرها يشكل مصدراً للخطر علينا. 
 
 

يتناول هذا المقال أهمية التربية الإعلامية أكثر من أي وقت مضى ويقدم أهمية اكتساب مهارات التفكير النقدي في ظل البيئة الرقمية التي تعد المصدر الأول للأخبار والمعلومات التي نتلقاها بتدفق عالي مستمر. 

• تعريف التربية الإعلامية والمعلوماتية: 

تعرّف منظمة اليونسكو مصطلح "التربية الإعلامية والمعلوماتية" Media and Information Literacy و اختصارها "MIL" بأنها "الكفاءات الأساسية التي تتيح للمواطنين التعامل مع وسائل الإعلام على نحو فعّال، وتطوير الفكر النقدي ومهارات التعلّم مدى الحياة، في سبيل تنشئة اجتماعية تجعل منهم مواطنين فاعلين"، ويعرّفها معهد الثقافة الإعلامية بالولايات المتحدة الأميركية بأنها "الإطار العام الذي يمنح للمتلقي القدرة على الوصول إلى الرسائل الإعلامية بكافة أشكالها، والقدرة على تحليلها وتقييمها وإنتاجها، على الرغم من اختلاف أنواع هذه الرسائل، بدءاً من الوسائل المطبوعة وانتهاءً بشبكة الإنترنت" 
 

• التربية الإعلامية ضرورة: 

 
ففي ظل وجود العديد من منصات التواصل الاجتماعي والقنوات الإعلامية، يهدف تعزيز الوعي الإعلامي إلى مساعدة الأفراد في تتبع شفافية ومصداقية المحتوى وتحديد مصادره. مع انتشار الأخبار على منصات التواصل الاجتماعي أصبح التقييم النقدي للمحتوى أمرًا ضروري وإلزامي. فعلى سبيل المثال، التعرف على المعايير التحريرية لمصدر الأخبار أو الدوافع وراءه هو مهارة أساسية في التربية الإعلامية. وعلاوة على ذلك، في العصر الحالي الذي يتم فيه إنتاج الفيديوهات المزيفة والمحتوى الذي يتم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي، فإن التربية الإعلامية تتطلب ليس فقط فهمًا ولكن أيضًا فحصًا دقيقًا لمصداقية المحتوى. 
 
فيمكن للتربية الإعلامية مساعدة الناس على التعرف وفهم التحيزات التي تستغلها وسائل الإعلام، وكيفية تأثيرها على تصوراتهم ودعمهم لحدث ما أو قضية معينة، كما يستخدم الإعلام غالبا لغة ونبرة عاطفية ليحيز إستعطاف الجمهور في إتجاه معين لدعم قضية ما أو موضوع معين. فمن الواجب فهم وتقييم وتحليل الرسائل الإعلامية وتقييم مصداقية الهدف من المحتوى والتعامل مع الأخبار المضللة وإشاعات الشبكات الاجتماعية  وحماية الخصوصية الرقمية وتطوير مهارات البحث والتواصل الفعال. 
 

• ماهي المهارات التي يمكننا اكتسابها من التربية الإعلامية؟ 

 
بجانب أهمية تعزيز الوعي الإعلامي، تهدف التربية الإعلامية إلى مساعدتنا على إكتساب مهارات تحليل وتقييم وإنتاج المحتوى الإعلامي بشكل صحيح وفعال، ومن أهم هذه المهارات: قراءة نقدية، تمييز وتحليل، بحث واستدلال، وعي رقمي، وعي ثقافي وإجتماعي، قدرة على تواصل. 

  
تمكننا كل هذه الخصائص والمهارات من فهم دوافع منتجي المحتوى الإعلامي وتحليل الرسائل وفهم المغزى منها، وتمييز الأخبار الحقيقية وتحليل واستقصاء مصادر معلومات الخبر. كما تكسبنا القدرة على إجراء بحث عن باستخدام المصادر للبحث عن حقيقة المعلومات. 
 

 
يعبر وعينا الرقمي عن مقدرتنا على فهم ومعالجة قضايا الخصوصية والأمان والحقوق الرقمية، ومعرفة كيفية الحفاظ على سلامة البيانات الشخصية والتصدي للتهديدات وعمليات الابتزاز. بجانب القدرة على فهم وتقدير التنوع الثقافي والاجتماعي في المحتوى الإعلامي، والتعامل بشكل حساس ومسؤول مع القضايا الثقافية والاجتماعية المختلفة. فبتعلم كل هذه المهارات وإدراك أهميتها؛ تساعد الأفراد على التفاعل بشكل أفضل مع الوسائط الإعلامية والتكنولوجيا الرقمية، وتمكنهم من اتخاذ قرارات معرفية مستنيرة ومشاركة بفعالية في المجتمع الرقمي. 
 
 

• أهمية إدخالها في النظام التعليمي: 

 
 
تعتبر المملكة المتحدة من الدول الرائدة في مجال تعليم التربية الإعلامية، حيث شاركت العديد من المؤسسات في هذا التطور مثل معهد الأفلام البريطاني ومركز الإعلام الإنجليزي، وتم بالفعل إضافة التربية الإعلامية في المنهج الدراسي المدرسي ومقرراً جامعياً أيضاً. وفي العالم العربي، كانت الأردن أول دولة عربية تدرج التربية الإعلامية في المناهج المدرسية، حيث قامت الحكومة الأردنية بتشكيل فريق لمتابعة مشروع التربية الإعلامية والمعلوماتية وذلك بالتعاون بين وزارة التربية والتعليم ومعهد الإعلام الأردني. 
 
 

يلعب التعليم دورًا بارزًا في خلق بيئة تعليمية تشجع على المشاركة النشطة وتطوير المهارات اللازمة للوعي الإعلامي، وذلك بشكل خاص فيما يتعلق بحماية خصوصية الأفراد وسلامتهم الرقمية عبر الإنترنت. كما يسلط التركيز على توعيتهم بمخاطر مشاركة المعلومات الشخصية وتوفير إرشادات حول الإجراءات الواجب اتخاذها للحفاظ على خصوصيتهم. 
 

• المسؤولية الاجتماعية: 
   
   

تلعب المسؤولية الاجتماعية دورًا هامًا في التربية الإعلامية، حيث تهدف إلى تعزيز الوعي الإعلامي والتفكير النقدي لدى جميع أفراد وشرائح المجتمع. كما تسعى لتعزيز المشاركة الإيجابية والقيم الأخلاقية في استخدام وسائل الإعلام والتكنولوجيا، بجانب تعزيز المواطنة الرقمية وتعزيز التسامح والتعايش في المجتمع الرقمي. بشكل عام، تساهم المسؤولية الاجتماعية في تأهيل الطلاب ليصبحوا مستهلكين ومنتجين إعلاميين مسؤولين، قادرين على الاستفادة من وسائل الإعلام بشكل آمن ومفيد ومساهمين في بناء مجتمع ترقى إلى التحديات الإعلامية الحديثة. 
 
 

 
استخدام وسائل الإعلام والتكنولوجيا يتطلب احترام القيم الأخلاقية الأساسية. كما ينبغي أن يكون الاستخدام الإعلامي والتكنولوجي مبنيًا على الصدق والنزاهة في نشر الوسائط والأخبار، وتجنب تشويه الحقائق أو نشر الأخبار المضللة. وننوه دائما على أهمية التحري والبحث عن مصادر المعلومات، وعدم نقلها أو مشاركتها إلا بعد التأكد من مصداقيتها، وعدم التحيز والانجراف خلف القصص والأخبار التي تحمل رسائل تحيزية.  
 
 
كما يجب أن تستثمر المؤسسات التعليمية في تطوير برامج التربية الإعلامية التي تعكس التحديات المعاصرة وتسعى لتنمية مهارات التفكير النقدي والتحليلي والوعي الإعلامي لدى الطلاب.