كلّ واحد فينا بدي عنده هاتف ذكي، وحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي على المنصّات المختلفة، ونقدروا نقولوا إنّ الهاتف بشكل أو بآخر خذي مكان التلفزيون، وأصبح هو مصدر الأخبار والمعلومات، وتحوّل الدور اللي كان يلعب فيه مذيع النشرة إلى أدمن الصفحة


العالم يتغيّر، وحني نتغيّروا معاه؛ كل ما كان تقليدي يتبدّل بآخر حديث، سيطر التلفزيون على حياتنا لفترة طويلة، وكان هو المصدر الرئيسي اللي ناخذوا منّه في الأخبار والمعلومات، في وقت كان مذيعي النشرات يوجّهوا فينا نحو وجهة نظر واحدة حسب سياسة تحرير وتوجّهات القناة، اليوم هذا تغيّر إلى حدٍّ ما بفضل وسائل التواصل الاجتماعي.


أدمن الصفحة: المذيع والمحرر والمؤثر

كلّ واحد فينا بدي عنده هاتف ذكي، وحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي على المنصّات المختلفة، ونقدروا نقولوا إنّ الهاتف بشكل أو بآخر خذي مكان التلفزيون، وأصبح هو مصدر الأخبار والمعلومات، وتحوّل الدور اللي كان يلعب فيه مذيع النشرة إلى أدمن الصفحة. في الحقيقة، أدمن الصفحة ما خذاش دور مذيع النشرة بس، ولكن خذي أيضًا دور فريق تحرير النشرة اللي يحط في الأخبار بحسب توجّهاته، هو اللي يكتب، ويحرّر، وينشر الأخبار اللي تعكس توجّهاته وانتماءاته الفكريّة، ويتوجّه بقناعاته هذي للجمهور اللي يتابع فيه ويأثّر فيهم، ويحاول تطويع قناعاته لصالحه. 


الميديا البديلة: تأثير متنامي

باش نعرفوا حجم تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في مجال الإعلام، فبحسب تقرير لجامعة أوهايو الأمريكيّة، فإنّ حوالي 62‎%‎ من الأمريكيين يستقوا في معلوماتهم من وسائل التواصل الاجتماعي.


والوضع في ليبيا ما يختلفش هلبا، في الوقت الحالي عدد كبير من الليبيين واخذين وسائل التواصل كمصدر أساسي لمتابعة الأخبار والأحداث اللي تصير في البلاد، حيث أظهر استطلاع سابق أجريناه في "أنير" أن حوالي 57% من المشاركين يستخدموا في منصتي "فيسبوك" و"إنستاغرام" كمصدر أساسي لمتابعة الأخبار. ويرجع هذا إلى اعتبارها وسيلة أسرع للحصول على المعلومة، بغض النظر عن درجة موثوقيّة الصفحات الموجودة اللي يتابعوا فيها.




التأثير المتنامي لوسائل التواصل الاجتماعي في ليبيا اكتسباته من سهولة وسرعة وصول الخبر ليهم، خصوصًا في وقت الأحداث المتسارعة في البلاد، ووصل عدد مستخدمي الإنترنت في ليبيا بحسب موقع World Populatin Review إلى حوالي 5.04 مليون مستخدم من مختلف الأعمار، 72‎%‎ منهم يستخدموا في فيسبوك.


الجمهور هناك: الدعاية في وسائل التواصل

مع وجود هذا العدد الكبير من المستخدمين لوسائل التواصل، فطنت الأحزاب والشخصيات السياسيّة إلى أهمّيتها في الدعاية الانتخابيّة لنفسها، ونشر معلومات وأخبار إيجابية عنها لكسب تعاطف وحب الشعب، وزيادة قاعدتها الشعبيّة سواءً من خلال صفحاتها الرسميّة أو من خلال استئجار صفحات أخرى ذات تأثير كبير.


سبق وأن استخدمت عدّة شخصيّات في الوسط السياسي الليبي صفحات مشهورة في فيسبوك وعندها هلبا متابعين لنشر أخبار جيّدة عن نفسها لتلميع صورتها، أو تغيير فكرة سلبيّة مأخوذة عنهم إلى فكرة إيجابيّة، كمحاولة لاستقطاب عدد أكبر من المعجبين وتحويل الكارهين إلى محبّين.




بعيدًا عن فيسبوك وتويتر، استخدم حزب سياسي ليبي في الفترة الأخيرة شخصيّة شابّة مشهورة على منصّة تيكتوك -اللي تحظى باهتمام متزايد بين الشباب الليبيين- لنشر دعاية عنه، توضّح أهدافه وتوصّله لعدد أكبر من المتابعين، وخصوصًا الشباب اللي يشكلوا الشريحة الأكبر من الناخبين الليبيين.


معروف أنّ الميديا -سواءً بصورتها التقليديّة أو الحديثة اللي تتمثّل في وسائل التواصل الاجتماعي- قادرة بشكل كبير على التأثير في الرأي العام والحياة السياسيّة بصفة عامّة والانتخابات خصوصًا، وكان هذا التأثير واضح للكل في انتخابات الرئاسة الأمريكيّة عام 2016 بين هيلاري كلنتون ودونالد ترمب اللي تمت بفوز الأخير؛ هلبا مراقبين أرجعوا فوز ترمب بالانتخابات إلى إعلاناته القويّة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث وصل عدد الإعلانات بحسب واشنطن بوست إلى 5.9 مليون إعلان.


بكبسة زر: البروباغندا مش صعبة

يُعرّف أب العلاقات العامّة والبروباغاندا إدوارد بيرنيز البروباغاندا على أنّها التلاعب الذكي والواعي بالآراء وعادات الجموع، وهذا اللي قاعد يصير في ليبيا، وتحديدًا في فيسبوك وبقيّة منصّات التواصل بدرجة أقل، بحيث تستخدم الصفحات في الدعاية لشخصيّات ومهاجمة شخصيّات أخرى. "البروباغندا كانت صعبة لكن فيسبوك سهلها"، هكّي عنونت صحيفة واشنطن بوست مقالة تكلّمت عن تأثير مواقع التواصل في العمليّة السياسيّة. 


في عصر الفيسبوك، الناخب معاش أصبح مجهول ومجرّد اسم ورقم بطاقة وعنوان سكن، لكن كلّ المعلومات اللازمة اللي تزيد من استهدافه بشكل دقيق في الحملات الإعلانيّة موجودة، كلّ معلومات المستخدم الأساسيّة وأكثر من ذلك موجودة في فيسبوك، ربّما تعرف شركات التقنية الكبرى حتّى كيف تفكّر وكيف ممكن تغيّرلك رأيك عن طريق توجيه منشورات مموّلة لمجموعة من الناخبين المستهدفين، لاستقطابهم لصالح جهة أو لغرض تشويه سمعة آخرين في نظرهم لتقليل حظوظهم في الفوز.


أستاذة العلوم السياسية في جامعة أوهايو ريجينا لورانس تقول -بما معناه- إنّ مجرّد معرفة اسم المرشّح هو من أكبر العوامل اللي تأثّر في فرص نجاح المرشّحين في الانتخابات! فلمّا ينطلب من صفحة ما إنّها تدير بروباغاندا لصالح شخصيّة معينة من الشخصيات المترشحة وتنشر عنها معلومات إيجابية، حتزيد شعبيته بينهم، والعكس صحيح لو استمرّت في نشر معلومات لغرض تشويه مرشّح منافس، وكلّما زاد عدد الإعلانات الإيجابيّة وزاد عدد وصولها لشريحة أكبر من الجمهور المستهدف -اللي ممكن تفشل وسائل الإعلام التقليديّة في الوصول ليها-، حتزيد فرص نجاح هذا الناخب. 


وتختلف طرق عرض الدعايات هذي عبر صفحات وسائل التواصل، إمّا عن طريق نشر خبر في الصفحات الإخباريّة، أو منشور يدغدغ المشاعر في صفحة اجتماعيّة، إلى نكتة وميم (Meme) في صفحة أخرى. قد تستغرب كيف ممكن الميمز ممكن يتحوّلوا لأداء بروباغاندا، ولكنّها صارت، وما تزال تصير.


مش نكتة: الميمز في خدمة السياسة

انتقل مصطلح ميم (Meme) اللي اخترعه عالم البيولوجيا التطوّرية ريتشارد دوكنز من التعبير عن وحدات من الثقافة والسلوك اللي تنجو وتنتشر عن طريق التأقلم مع البيئة إلى التعبير عن الصور الفكاهيّة اللي تنشر عبر الإنترنت، وغالبًا ما ترتبط الصور هذي بجملة للتعبير عن فكرتها.


ثقافة الميمز منتشرة حاليًّا على نطاق واسع بين الشباب الليبيين، وتوجد مجموعات عدّة على فيسبوك يفوق عدد أعضائها 200 ألف عضو لصناعة ومشاركة الميمز، اللي تستخدم غالبًا للتهكّم على الوضع الاجتماعي والسياسي في البلاد.






الميمز تعتبر منتج حديث في الإعلام الرقمي، ولكن تأثيرها قوي على متلقّيها سواءً سلبًا أو إيجابًا، ممكن تبان في ظاهرها سخيفة، مضحكة، وتافهة، ولكن في الحقيقة الميمز غيّرت مسار انتخابات وأعادت شخصيّات سياسيّة إلى الواجهة ودفنت آخرين، وهذا صار مثلًا في كرواتيا، الميمز خلّت نظرة الشعب تجاه رئيس الوزراء إيفو سانا دير تتغيّر إلى نظرة إيجابيّة، بعد ما كان مسجون على خلفيّة قضايا فساد، أيضًا رينا تأثيرها في الانتخابات الرئاسيّة الأمريكيّة عام 2016.


في ليبيا، زاد جمهور الميمز في الفترة الأخيرة، وبدت تنصنع ميمز لكل حدث يصير في البلاد، وممكن ما يفوتش حدث إلّا وتلقى مئات الميمز عليه، والسياسة مش استثناء، بدايةً من أحداث عام 2011 لمّا استخدمت الميمز للمهاجمة والتهكّم على أعضاء النظام السابق، إلى حرب طرابلس الأخيرة. 


البعض يشوف في الميمز كأداة لحريّة التعبير، وأداة تقدر من خلالها تسجّل موقف على الأحداث السياسيّة اللي تصير في البلاد، وممكن تساهم الميمز في تكوين الرأي العام، التأثير الكبير هذا ممكن يخلّي البعض يستخدمها كأداة للبروباغاندا لخدمة مصالحه، إمّا بالدعاية ليه أو بمهاجمة المنافسين.


اللي يخلّي الميمز مؤثّرة في المشهد السياسي إنّها مضحكة، ومباشرة، ومتّصلة بالواقع ومُستَمَدّة منه، وهذا اللي يخلّي يصير عليها تفاعل ومشاركة، فتنتشر انتشار سريع وتوصل لعدد كبير من الناس، ووحدة من أهداف البروباغاندا هي التأثير على المتلقّي في محاولة لتغيير رأيه، والميمز ممكن تستخدم للغرض هذا. 


من عيوب الميمز كأداة سياسية إنّها تقدّم في آراء جاهزة يحدّدها صانع الميم وفقًا لمصالحه، وهنا ممكن يقع المتلقّي في انحياز التوكيد، اللي ممكن يمنعه من تكوين رأي مستقل. دماغ الإنسان يحب الحاجات الواتية، لذلك يميل غالبًا لتأكيد ما كنّا نعتقده سابقًا، وديما أوّل ما نعتقدوا بشي طول نميلوا للحاجات اللي تأكّد اعتقادنا هذا، ونرفضوا كل ما يعارض هذا المعتقد، حتّى لو رأينا غلط حنمشوا وراه، فقط لأنّ فيه ناس أكّدتلنا الرأي هذا.


غرفة الصدى: الراي رايكم

استخدامنا اليومي لوسائل التواصل وتعرّضنا بشكل مستمر لمحتوى حني اخترناه أو انفرض علينا بسبب الإعلانات؛ هذا ممكن يخلّي نفس الآراء تتكرّر علينا، كلّنا في غرفة صدى تردّد الآراء اللي اخترنا حني نشوفوها وتتكرّر علينا يوميًّا، سواءً بميم أو بمنشور عادي، وهذا اللي قد يتسبّب في أنّ وسائل التواصل تسلبنا حقّنا في تكوين آراء مستقلّة.


مواضيع أخرى قد تهمك