تركز وسائل الإعلام حالياً على الحرب في أوكرانيا مخصصين لها الوقت الأكبر في النشرات، وخلال تغطية هذه الحرب انتشر عدد من الأخبار المضللة والمغلوطة، نذكر منها هذا الخبر الذي قررنا النبش عن حقيقته الضائعة في كومة الأخبار.
يتحدث الخبر عن انتشار فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يظهر صناديق تحمل ملصقاً عليه شعار الصليب الاحمر، ممتلئة بملايين الدولارات، وكنّا قد نشرنا عنه تحقيقاً قصيراً يمكن متابعته من هنا
نصّ الخبر الذي نشره عدة أشخاص ووسائل إعلام منها قناة العربية، على أن الفيديو هو
"لصناديق مليئة بالعملات الأجنبية وضع عليها شعار الصليب الأحمر الدولي في مخابئ للأوكرانيين"
في الفيديو نسمع المصور متحدثاً بلغة شبيهة بالروسية، ولم ترفق القنوات ترجمةً له. ويظهر على الفيديو رابطاً لقناة تيليقرام يُعتقد أنها مصدر الفيديو الأساسي.
كل التفاصيل التي تظهر في الفيديو تبدو مشبوهةً ومريبة وتقودنا إلى عدة أسئلة؛
قررت أنير التحقيق في الحادثة، والبحث عن الحقيقة وكشف القصة كاملة وراء الخبر، واتضح لنا الآتي:
عندما تتبعنا الرابط المثبت على الفيديو، أوصلنا لقناة على التيليقرام اسمها يعني باللغة الروسية: "تاريخ أسلحة الحرب". وبحثنا عن نفس الفيديو في هذه القناة، لكن لم تظهر أي نتائج بحث عنه، فلربما حُذف من القناة.
ثم بحثنا عن هذا الفيديو عبر خاصية البحث على منصات التواصل الإجتماعي فيسبوك وتويتر، مستخدمين كلمات متعلقة بالحادثة، مثل "ICRC Money”, “أموال الصليب الأحمر”
حيث قد تم نسب الفيديو لعدة دول، من بينها: النيجر، غانا، سوريا، وأوكرانيا.
وقد تحصلنا على نتائج تظهر نفس الصناديق في سوريا عام 2018، نسبت حينها إلى الحرب في سوريا.
عند انتشار الفيديو آنذاك، نشرت منظمة الصليب الأحمر بياناً أنكرت فيه بشدة ربط اسمها، وشعارها بأفعال مشبوهة واعتبرت ذلك تشويها لها، وإساءة لتاريخها ونضالها في سبيل حماية المدنيين.
وأوضحت أن انتشار هذا النوع من مقاطع الفيديو قد تكرر سابقاً في دول مختلفة، وشددت على حيادها الكامل واستحالة أن يكون لها يد في أي أعمال، غير الأعمال الإنسانية التي تُعرف بها.
أما عندما بحثنا عن الفيديو عبر محرك البحث قوقل، عثرنا على فيديو نُشر على يوتيوب في عام 2019، يُظهر المقطع مشاهد مكملة للفيديو الذي زعم أنه في أوكرانيا، وعند تحليل الفيديو ومقارنته بالفيديو الحالي اتضح لنا الآتي:
1- اتضح أن كلا المقطعين صُوُرا في نفس المكان.
2- عند التدقيق في تفاصيل الفيديو المنتشر على اليوتيوب، وتحديداً عند الثانية 36، حيث تظهر ورقة على أحد الصناديق كُتب عليها: "الجماهرية العربية الليبية الإشتراكية العظمى"، وهو اسم دولة ليبيا في فترة حكم القذافي.
وكنا قد رصدنا نفس الورقة على الصناديق المزعوم تواجدها في أوكرانيا في الفيديو عند الثانية 55، وهي ذات الورقة الموجودة في الثانية 8 من الفيديو الذي يزعم أنه في سوريا.
عند دمج كل هذه الأدلة يتضح لنا أن الحادثة لم تحدث في أوكرانيا
ولكن يبقى التسأول: ماهو أصل الفيديو؟ وما علاقة دولة ليبيا حتى يوضع اسمها على الصناديق المشبوهة؟
للوصول إلى الإجابة، تابعنا البحث على محرك قوقل باستخدام كل الأدلة السابقة، وتحصلنا على تقرير صحفي منشور في مجلة "The News" النيجيرية سنة 2018 بعد انتشار شائعة تقول إن هذه الصناديق وُجدت في نيجيريا.
ونفت جهات مكافحة الفساد في نيجيريا صحة ما تداولته وسائل التواصل الاجتماعي عن تواجد هذه الصناديق على أراضيهم.
تابعنا البحث للحصول على معلومات أكبر، وتحصلنا على تقرير نُشر سنة 2017 على مجلة "The Globe and Mail" يتحدث عن ثروات القذافي التي اختفت في أفريقيا بعد وفاته، ومن ضمن ما تضمنه هذا التقرير أن صوراً لذات الصناديق التي تحمل شعارات الصليب الأحمر، وُجدت في غرفة في مدينة "أكرا" عاصمة غانا عام 2011 وذكر التقرير أن السلطات الليبية وقتذاك حاولت استرجاع الصناديق.
إذاً، أخيراً يمكن لنا الجزم بأن الفيديو المتداول عن نقل أموال إلى أوكرانيا هو غير صحيح، وأن المتحدث باللغة الروسية هو صوت جرى تركيبه على المقطع الأصلي الذي صُور في غانا. وعندما ترجمنا بعض الكلمات في الحديث الذي دار في الفيديو اتضح أنها بعيدة جداً عن سياق الخبر المتداول.
لكن الحقيقة الكاملة لا زالت غير واضحة، وأسئلة كثيرة بحاجة إلى إجابة.
فلماذا رُبطت منظمة الصليب الأحمر بنقل أموال من ليبيا إلى غانا؟
وهل تم ذلك بتنسيق مع العقيد الراحل معمر القذافي؟
ولماذا اُستخدم شعار المنظمة بشكل غير قانوني لنقل كل هذه الأموال إلى غانا؟
مواضيع أخرى قد تهمك
-
2022/04/09أنير تعثر على شبكة ذباب إلكتروني على تويترفي حياتنا الرقمية -على مواقع الانترنت والتواصل الاجتماعي-، قد تقع على مسامعنا أو أنظارنا عدد رهيب من الأخبار والحسابات غير المعروفة أو موثوقة المصدر، دون التدقيق أو السعي للحقيقة قد نتفاعل في الكثير من الأحيان وبشكل تلقائي معهم دون معرفة من ورائهم وما هي أهدافهم وقد نتأثر من ما تقدمه من مح
-
2022/08/23قضية الخبز المسرطن تعود للواجهة مجدداًالخبز، المكون الرئيس على مائدة الليبيين صار تناوله هاجساً لهم بعد تزايد عدد الأبحاث التي تفيد بوجود مادة برومات البوتاسيوم الممنوعة قانوناً في الخبز والدقيق المصنعة منه. بين المركز الليبي المتقدم للتحاليل الكيميائية الذي يؤكد وجود المادة، ومركز الرقابة على الأغذية والأدوية الذي ينفي، الجدل
-
2024/10/29إعصار فلوريدا وعاصفة التضليل المعلوماتي التي اجتاحت منصات التواصل الاجتماعيفي ظل التحذيرات عن اقتراب إعصار ميلتون من ولاية فلوريدا، لوحظ انتشار عدد من الصور ومقاطع الفيديو المضللة والخاطئة على منصات التواصل الاجتماعي. يسلط هذا المقال الضوء على أبرز هذه الحالات، بالإضافة إلى تحليل أنماط البيانات والمعلومات المضللة التي تستغلها الصفحات والحسابات على منصات التواصل ا