تدقيق الحقائق هي عملية تهدف إلى الوصول لنتائج مُحكمة تؤكد أو تنفي صحة خبر معين يتم تداوله على الانترنت. توجد العديد من الأدوات الرقمية والمواقع الالكترونية والمهارات التي يتم استخدامها في مساق تدقيق الحقائق والأخبار الزائفة باعتماد الطرق الكلاسيكية البسيطة، ولكن في ظل التطورات الرقمية التي نشهدها في وقتنا الحالي، لا يخفى على الجميع آخر تطورات موقع تويتر وبالذات فيما يخص تحديثات سياسات توثيق الحسابات، فما تأثير مثل هذه التغيرات على مسار تدقيق الحقائق؟

تدقيق الحقائق هي عملية تهدف إلى الوصول لنتائج مُحكمة تؤكد أو تنفي صحة خبر معين يتم تداوله على الانترنت. يمكن أن تُدقق الحقائق بأكثر من طريقة للوصول الى هدف واحد وهو الحصول على دليل رصين يبين نتيجة التحقيق. يتم الوصول الى هذا الدليل بإتباع مجموعة من الخطوات التسلسلية التي توفر للقارئ أو المتلقي تجربة تُحاكي كل الخطوات التي اتخذها المدقق في التحقق من الخبر وتوفر لهم نفس الظروف والبيئة للوصول إلى ذات الدلائل.



توجد العديد من الأدوات الرقمية والمواقع الالكترونية والمهارات التي يتم استخدامها في مساق تدقيق الحقائق باعتماد الطرق الكلاسيكية البسيطة، والى جانب كل هذه الأدوات يَعتمد مدققي الحقائق على التصريحات الرسمية في المواقع الإلكترونية والصفحات الموثقة على مواقع التواصل الاجتماعي كدليل موثوق يمكن الاعتماد عليه.


ولكن في ظل التطورات الرقمية التي نشهدها في وقتنا الحالي، لا يخفى على الجميع آخر تطورات موقع تويتر وبالذات فيما يخص تحديثات سياسات توثيق الحسابات، فما تأثير مثل هذه التغيرات على مسار تدقيق الحقائق؟



  • تويتر وتطورات توثيق الحسابات الموثقة:



في نهاية أكتوبر 2022 وبعد استحواذ الملياردير إيلون مسك على موقع تويتر في صفقة تقدر بـ44 مليار دولار أمريكي، قام المالك الجديد للشركة بالعديد من التغييرات المفاجئة في المنصة والتي كان أكثرها جرأة هي تغيير نظام وآلية توثيق الحسابات الرسمية!


قبل استحواذ مسك على تويتر وفي عهد المنصة السابق كانت علامة التوثيق الزرقاء تشير للحسابات الرسمية والنشطة والبارزة الخاصة بالمشاهير والإعلاميين والسياسيين والمؤسسات المختلفة والتي يتم التحقق منها من قبل فريق تويتر بشكل مستقل قبل منح ميزة التوثيق بناء على آلية وإجراءات معينة يتم اتباعها وفقاً لسياسة الشركة بالخصوص وذلك لمنع الحسابات المزيفة ومكافحة الأخبار المضللة ولاعتماد هذه الحسابات كمصدر موثوق للمعلومات.


تغير الحال مباشرة بعد صفقة شراء تويتر، حيث تم إطلاق آلية جديدة للحصول على علامة التوثيق الزرقاء والتي تتيح لأي شخص الحصول عليها شرط دفع مقابل مادي شهريا الأمر الذي أتاح الفرصة أمام أي شخص يمتلك هاتف محمول وطريقة دفع للحصول على علامة التوثيق على تويتر!


وفرت الآلية الجديدة الظروف الملائمة للحسابات المزيفة وعُشاق نشر الأخبار المضللة لاستغلالها ليتم اجتياح تويتر من قبل العديد من الحسابات المزيفة لنشر الأخبار الكاذبة والمضللة تحت مظلة علامة التوثيق الزرقاء، ومنذ ذلك الحين عمَّت الفوضى المنصة.


ونتيجة لذلك طالت يد الظلم العديد من الضحايا نتيجة هذا التغيير المفاجئ وذلك بنشر تغريدات زائفة من قبل حسابات تنتحل هوية العديد من الأفراد والمؤسسات كالرئيس الأمريكي السابق جورج بوش وبابا الكنيسة الكاثوليكية فرنسيس والعديد من الشركات مثل شركتي تيسلا وسبيس اكس المملوكات للمسؤول عن كل هذه التغييرات إيلون مسك نفسه!


في العادة لا يتم اخذ مثل هذه التغريدات كأخبار موثوقة أو على محمل الجد ولكن ظهور علامة التوثيق الزرقاء بجانب اسم الحساب أعطت انطباعاً قوياًّ بأن المنشأ هو بالفعل أصيل بغض النظر عن محتوى التغريدة الذي قد يحتوي على أحكام أو آراء صعبة التصديق منطقياً.


(مثال لتغريدة مضللة من حساب مزيف ينتحل شخصية الرئيس الفلسطيني محمود عباس. تم حذف التغريدة فيما بعد، رابط مؤرشف قبل الحذف)


  • تداعيات آلية التوثيق الجديدة:


كانت احدى ضحايا هذه الحسابات المزيفة هي شركة الأدوية الأمريكية Eli Lilly and company وهي أول شركة تقوم بتسويق الأنسولين لمرضى السكري، تم استهداف هذه الشركة من قبل حسابين مزيفين وذلك بنشر ادعاءات كاذبة، أفاد احداها بأن الأنسولين الذي تنتجه الشركة سيتم توفيره بشكل مجاني، بينما افاد الآخر أن حٌقن الأنسولين سريعة المفعول” Humalog” سيتم توفيرها بسعر 400 دولار.



انتشرت هذه التغريدات كالنار في الهشيم حيث حصدت التغريدة الأولى على 11 ألف إعجاب قبل تعليق هذه الحسابات من قبل تويتر، رد الفعل الذي جاء متأخراً بعد أن تكبدت شركة الأدوية خسائر كبيرة في سوق الأسهم نتيجة هذه الأخبار المضللة، كما اضطرت فيما بعد الى نشر اعتذار رسمي على حسابهم الحقيقي على تويتر للتأسف عن الرسائل المضللة التي تضمنتها التغريدات المزيفة التي تم نشرها من قبل المحتالين.


تدارك الخطأ، وآلية التوثيق الحالية:


في 31 أكتوبر، أعلن إيلون مسك في تغريدة على حسابه عن تجديد آلية إعطاء علامات التوثيق في المنصة، وبعد العديد من المحاولات اِعتمدت تويتر فئات جديدة لعلامات التوثيق وهي:


  • العلامة الزرقاء: للأفراد الموثقين (بغض النظر عن كونهم مشاهير أو مستخدمين عاديين).

  • العلامة الرمادية: للأفراد أو المؤسسات ذات صلة بالحكومة.

  • العلامة الذهبية: للشركات والأعمال الخاصة.


وإضافة لذلك، سيتم تزويد المستخدم بالمزيد من التفاصيل عند الضغط على علامة التوثيق وذلك بتوفير توضيح سبب توثيق هذا الحساب وتصنيفه حساب الفئات الجديدة في المنصة، وهي:


  • (Legacy Account) : للحسابات التي تحصلت على التوثيق بالطريقة القديمة.

  •  (Verified because it’s notable in …) : للشخصيات الموثقة بسبب شهرتها في نشاط معين.

  •  (Verified because it’s subscribed to twitter blue) : للحسابات العادية التي حصلت على العلامة بمقابل مادي فقط.



كيف يمكن لمدقق الحقائق أو ساعي الحقيقة أن يتعامل مع التطورات الجديدة في تويتر؟


  1. في حالة كون الحساب موثق: يجب التأكد من نوعية التوثيق كما أشرنا سابقاً وعدم الاعتماد على التغريدات الصادرة من الحسابات التي حصلت على التوثيق بمقابل مادي، يمكن استعمال إضافة "Eight Dollars" للمتصفح لتسهيل هذه العملية، ستقوم هذه الإضافة بإظهار كلمة Verified أمام كل الحسابات الموثوقة (Blue - Legacy, Blue - notable, Golden, Grey)، وإظهار كلمة Paid أمام الحسابات المشتركة في خدمة التوثيق (Blue - subscriped).


  1. في حالة كون الحساب عادي:

  • الفحص الأوتوماتيكي للحساب للكشف -مبدئيا- عن كونه حساب أصيل أم لا، باستخدام أدوات تتيح ذلك مثل: أداة Bots sentinel.

  • الفحص اليدوي للحساب: وذلك بالتحقق من الصورة الشخصية ومدى أصالتها وبالاطلاع على المنشورات السابقة لنفس الحساب وتاريخ إنشائه ونمط النشر الدوري والهاشتاقات والقضايا التي يتفاعل عليها.


  1. استخدام أدوات لفحص الحسابات والتغريدات وللحصول على تفاصيل أكبر مثل أداة Social Bearing.


في النهاية، بغض النظر عن الطريق الذي يسلكه مدقق الحقائق في عمله يجب عليه -وبشكل دائم- أن يتمتع بمرونة التفكير وأن يقدم مهارات التفكير النقدي على "المُسلّمات" أو "المتعارف عليه"، كذلك أن يكون ملماً تقنياًّ بكافة الأدوات والمواقع التي يستخدمها في عمله ومتابعاً لجديدها وأخبارها لتجنب الوقوع في أخطاء فادحة نتيجة التغيرات المفاجئة لأشياء تم اعتمادها كقواعد في السابق. كما ننوه أيضاً عن ضرورة الاعتماد على أكثر من دليل واحد لدعم النتيجة والوصول إلى الصورة الكاملة والحقيقة.


مواضيع أخرى قد تهمك