الخبز، المكون الرئيس على مائدة الليبيين صار تناوله هاجساً لهم بعد تزايد عدد الأبحاث التي تفيد بوجود مادة برومات البوتاسيوم الممنوعة قانوناً في الخبز والدقيق المصنعة منه. بين المركز الليبي المتقدم للتحاليل الكيميائية الذي يؤكد وجود المادة، ومركز الرقابة على الأغذية والأدوية الذي ينفي، الجدل لا زال دائراً.

الخبز، المكون الرئيس على مائدة الليبيين صار تناوله هاجساً لهم بعد تزايد عدد الأبحاث التي تفيد بوجود مادة برومات البوتاسيوم الممنوعة قانوناً في الخبز والدقيق المصنعة منه. بين المركز الليبي المتقدم للتحاليل الكيميائية الذي يؤكد وجود المادة، ومركز الرقابة على الأغذية والأدوية الذي ينفي، الجدل لا زال دائراً.


-برومات البوتاسيوم: الجميلة والوحش في آن

نتيجة لرخص سعرها وسرعة نتائجها فقد اعتاد الخبازون في السابق حول العالم على استعمال مادة برومات البوتاسيوم كمحسنٍ للمعجنات التي تضاف إليها؛ فهي تعمل على تحسين صفات الدقيق، وزيادة جودة الخبز، مثل: حجم الرغيف، ولون  قشرته، وتماسك اللبابة (وسط الخبز).


ولربما تكون خياراً اقتصادياً جيداً ومربحاً لأصحاب المخابز، لكنها ليست خياراً صحياً البتة، فقد منعتها الكثير من الدول وتُقيّد الولايات المتحدة استخدامها وتصنفها الجمعية العالمية لأبحاث السرطان في الخانة 2B كمادة يشتبه في كونها مسرطنة. 


-بدائل أخرى: البرومات ليست الخيار الوحيد 

يُعرّف مركز الرقابة على الأغذية والأدوية (محسن الخبز) على أنه: "مزيج من مواد غذائية متخصصة مع بعض الإضافات في صورة مسحوق جاف يضاف أثناء تحضير ومعاملة عجينة الخبز المرفوعة  بالخمائر.".


ويجيز مركز الرقابة استخدام مجموعةٍ من المواد كمحسن للخبز (مواد مضافة إلى المحسن)، ومنها: 

-الإنزيمات: الأميليز، والبروتييز، والزيلينيز 

-عوامل مؤكسدة ومختزلة  وأحماض: حمض الأسكوربيك (فيتامين ج). 

-مثبتات وعوامل استحلاب، مثل: الليسثين.


أما المواد المحظورة، فتشمل: -برومات أيودات البوتاسيوم.

-حمض السستيين.

-كبريتات الأمونيوم. 

-مادة حافظة حمض البوريك.

-حمض الطرطاريك.

-تارترات الستاريل.

-كارباميد.

-ميتابيسلفيت الصوديوم. 


يعود الحظر القانوني لاستخدام برومات البوتاسيوم كمحسن للخبز في ليبيا إلى عام 2005، عامٓ أصدرت اللجنة الشعبية العامة للاقتصاد والتجارة (سابقاً) قرارها رقم (475) الذي يقضي بحظر استيراد واستعمال محسنات الخبز التي تحتوي على هذه المادة. وفي 2015 كانت مادة برومات البوتاسيوم ضمن عدة مواد يُمنع استخدامها كمحسن وفقاً للمواصفات القياسيّة الليبيّة لصناعة الخبز المذكورة في القرار رقم (822) لسنة 2015.



-المسلسل يتواصل:

تعود جذور الجدل الدائر إلى بحث نشرته طالبة بكلية التربية، قسم الكيمياء فرع تاجوراء مشروعاً لتخرجها عام 2020م وتوصلت حينها إلى وجود 300 إلى 1300 ضعف من المسموح به من مادة برومات البوتاسيوم في عينات من الخبز المجموع عشوائياً من 25 مخبزاً يتواجد في منطقة تاجوراء.


مطلع 2021 كثف مركز الرقابة على الأغذية والأدوية مجهوداته لإجراء مسح شامل داخل ليبيا لمادة برومات البوتاسيوم، واجتمع أعضاء اللجنة الخاصة بالكشف عن برومات البوتاسيوم مع خبراء من دولة ألمانيا وبريطانيا. وفي شهر أغسطس من ذات العام أصدر وزير الاقتصاد والتجارة محمد علي الحويج قرار رقم (258) لعام 2021م الذي يحظر استيراد ومنع استخدام أو التعامل مع هذه المادة، وأوصى القرار في مادته الثالثة بضبط المخالفين لأحكام هذا القانون وسحب تراخيصهم ومعاقبتهم. 


واستمر نفي مركز الرقابة بوجود مادة برومات البوتاسيوم حينها، ففي شهر سبتمبر العام الماضي ذكر م. علي غنية في لقاء تلفزيوني أنهم أنهم لم يجدوا حتى عينة واحدة في جميع ربوع ليبيا تحتوي على هذه المادة المحظورة. وأضاف أن كل المحسنات التي ترد الى ليبيا معروفة المصدر وتأتي من دولة تونس، وهي من علامتين تجاريتين معروفتين، وهذه المحسنات لم تكن بها برومات البوتاسيوم عند تحليلها معملياً. 



-تاجوراء ليست وحدها، بنغازي أيضاً

لم تغب هذه القضية على مسامع المواطنين طويلاً في 2022، ففي شهر أبريل الماضي نشرت جامعة بنغازي بحثاً على موقعها يستقصي وجود مادة برومات البوتاسيوم في 29 صنفاً من الخبز والخبائز من 18 مخبزاً في مدينة بنغازي، وخلُص هذا البحث إلى وجود كمية تتراوح ما بين 0.6138 و1.558 ميكروغرام/غرام في الخبز وهي كمية أقل من تلك التي وجدت في بحث تاجوراء المنشور عام 2020 والتي كانت تقدر بنسبة تتراوح ما بين 6.0 إلى 26.67 ميكروغرام/غرام. 


  

في الخامس من أغسطس الجاري نشرت صحيفة (المرصد) ما قالت أنه نسخة من تحاليل المركز الليبي المتقدم للتحاليل الكيميائية حول وجود مادة برومات البوتاسيوم في 8 عينات دقيق، شملت هذه العينات علامات دقيق محلية عدة.


بحسب التقرير الذي نشرته صحيفة المرصد فقد كانت أدنى قيمة برومات بوتاسيوم وُجدت في العينات كانت تعادل ما نسبته 11.9 ملغم/كجم، وأعلاها تعادل ما نسبته 26.8 ملغم/كجم. وهو ما يعادل 300 إلى 1300 ضعف ما تسمح به منظمة الغذاء والدواء الأمريكية. 


تأكيد المركز الليبي المتقدم للتحاليل الكيميائية على "النتائج المنشورة في صفحات التواصل الاجتماعي" جاء على لسان مدير عام المركز د. ناجي جمعة قريش، حين ظهر في فيديو نُشر في الخامس من ‎أغسطس الجاري على صفحة المركز على فيسبوك. 


وأوضح في الفيديو أن كل الإجراءات البحث وجمع العينات وإرسالها كانت قانونية وتمت بموافقة وزارة التعليم العالي؛ كون المركز يتبع هيئة البحث العالي، التي تتبع بدورها وزارة التعليم العالي.


-نفي مركز الرقابة يتواصل

بالرغم من مجموعة الأبحاث التي صدرت، يستمر المركز الوطني للرقابة على الأغذية والأدوية في تفنيد ما أسماها بـ "الشائعات، والحملات الكيدية" على المركز كما جاء على لسان م. وائل بن عامر، عضو لجنة تحاليل مادة برومات البوتاسيوم بالمركز وفني تحاليل بمختبرات المركز في فيديو نشرته صفحة مركز الرقابة على فيسبوك.


في ذات الفيديو أكد بن عامر ما جاء على لسان المتحدث الإعلامي باسم مركز الرقابة، بقوله أن المركز أجرى بحثاً مطولاً استمر لخمسة عشر شهراً، جمع خلالها 454 عينة من 50 مدينة ليبية مختلفة، تنقسم إلى: 404 عينة خبز، و40 عينة دقيق، و10 عينات من أنواع مختلفة من محسنات الخبز المستخدمة في السوق. ولم يجدوا أثراً لمادة برومات البوتاسيوم في العينات التي اختبرت حسب مواصفات الجمعية الأمريكية لكيمياء الحبوب.



-الخبر اليقين في ألمانيا

تبعاً لهذه النتائج عُقد اجتماع بطلب من جهاز الأمن الداخلي حضره ممثلين عن الهيئة الليبية للبحث العلمي، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ومركز الرقابة على الأغذية والأدوية، وشركات ومصانع الدقيق؛ أصر فيه كل من ممثلي هيئة البحث العلمي التي تؤكد وجود مادة برومات البوتاسيوم في عينات الخبز والدقيق التي فحصتها، وتشبث ممثلي مركز الرقابة بقولهم أن عينات الدقيق تخلو من برومات البوتاسيوم.


وخٓلُص الاجتماع الذي أقيم في السادس من أغسطس إلى اتفاق يقضي بتشكيل لجنة تتضمن مندوباً عن كل من: جهاز الأمن الداخلي، والهيئة الليبية للبحث العلمي، وجهاز الحرس البلدي، مركز الرقابة على الأغذية والأدوية.


تتولى اللجنة اتخاد ما يلزم من إجراءات لجمع عينات على نطاق واسع من مادة الدقيق والخبز من شركات المطاحن، والسوق المحلي، وعينات من الخبز كمنتج نهائي، وإجراء الكشف عليها وإخضاعها للتحاليل الكيميائية وإرسال عينات إلى جامعات ليبية عدة. كما ستُحال ذات العينات الي المعامل المتخصصة بدولة ألمانيا. ولم تظهر النتائج حتى وقت كتابة هذه الأسطر.

مواضيع أخرى قد تهمك