لطالما كانت الأخبار المضللة والزائفة موجودة في المجتمع البشري، من أبسط أشكالها المتمثلة في الشائعات الشفهية، وحتى الأخبار والمقالات المضللة على صفحات الصحافة الصفراء. لكن الإنترنت، وسهولة التواصل الناتجة عنه، عززت من مدى انتشار الأخبار الزائفة. ولكن لماذا تنتشر هذه الأخبار؟ ومن الذي يحمل مسؤولية صنعها والترويج لها؟ تتعدد الأسباب وراء المحتوى الزائف، فأحيانًا يكون الجهل وعدم الدراية بالطرق الصحيحة للحصول على المعلومات هو السبب في انتشار المعلومات المغلوطة، وفي أحيان أكثر، تكون الرغبة في الحصول على الشهرة أو الانتشار هي السبب في مشاركة محتوى مضلل ومثير للجدل، بينما ينشر بعض الأشخاص محتوى مضلل عمدًا للتلاعب بالآخرين واستغلالهم لأسباب مادية أو أيديولوجية.

من أكثر الأوقات التي تشيع فيها الأخبار الزائفة هي الأزمات، فبدلًا من التعاطف مع مأساة الآخرين، ومحاولة مساعدتهم قدر الإمكان، يلتفت بعض الناس إلى مصالحهم الشخصية من شهرة أو كسب مادي، لاستغلال مشاعر الآخرين، وصنع محتوى مزيف ومضلل يشتت جهود الإغاثة والتوعية.  آخر هذه الأزمات التي انتشرت حولها الشائعات بكثافة، كانت زلزال تركيا وسوريا المدمر، بقوة 7.8 ريختر، والذي أصاب في السادس من فبراير 2023 كل من تركيا وسوريا، وشعر به السكان في لبنان، وفلسطين، وقبرص، ومصر. تلت هذا الزلزال  آلاف الهزات الارتدادية، وتسبب بغضون شهر مارس 2023 في مقتل أكثر من خمسين ألف شخص، وتشريد أكثر من مليون شخص



زلزال فبراير والمعلومات المضللة:


هذا الزلزال هو من أكثر الزلازل المدمرة التي أصابت المنطقة في التاريخ الحديث، وقد خلّف وراءه كارثة بشرية واسعة المدى. بالرغم من هذا، فإن حجم المعاناة لم يمنع من انتشار الكثير من الأخبار المضللة، التي تمثلت إما في تفسيرات غير دقيقة لآثار الزلزال، أو توقعات  لما سيتلوه. وللأسف، كانت معظم هذه التفسيرات والتوقعات التي شغلت مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي لأسابيع، غير صحيحة.  في هذه المقالة سنناقش أشهر هذه الشائعات، مع إرفاق التفسير العلمي الدقيق لكل منها. 


كيف تحدث الزلازل؟



لفهم سبب عدم صحة هذه المزاعم، علينا أولًا أن نفهم كيفية حدوث الزلازل:  تغطي كوكب الأرض قشرة رقيقة من الصخور تسمى القشرة الأرضية، يمكن تشبيه هذه القشرة بألعاب الألغاز Puzzle، إذا أنها تتكون من مجموعة من الصفائح المنفصلة التي تكمّل بعضها البعض، تسمى هذه الصفائح بـ الصفائح التكتونية،  وتكون في حركة مستمرة نتيجة لنشاط الطبقة المنصهرة أسفلها، تسبب حركة الصفائح في احتكاكها ببعضها البعض وتجمع كميات كبيرة من الطاقة بينها، وتنشأ الزلازل نتيجة عملية الاحتكاك هذه وانبعاث الطاقة الكامنة بين طبقات الأرض في شكل هزات أرضية نسميها الزلزال. 


الزلازل ليست حدثًا خارقًا للعادة، بل يتم تسجيلها بشكل يومي على كوكب الأرض، إذ تسبب حركة القشرة الأرضية في زلازل يومية متفاوتة الشدة، وتتركز هذه الزلازل عادة في مناطق احتكاك الصفائح التكتونية، والتي تعد منطقة زلزال فبراير إحداها لالتقاء الصفيحة العربية وصفيحة الأناضول والصفيحة الافريقية فيها. 



ما هي المزاعم التي تبادلها بعض رواد وسائل الاجتماعي حول الزلزال وما مدى صحتها؟ 



أشهر الأخبار المضللة:



  • الزلزال تم التنبؤ به قبل وقوعه


فور وقوع الزلزال في فبراير 2023 انتشرت الكثير من الأخبار حول كون هذا الزلزال متوقعًا مسبقًا، وبالتالي شاع الانطباع بأن الزلازل هي أحداث يمكن التنبؤ بها وتجنبها. فهل يمكننا التنبؤ بحدوث الزلازل؟  


الإجابة القصيرة هي: لا!


فلا يوجد أي مرصد أو جامعة أو مركز أبحاث في العالم أعلن أنه قادر على التنبؤ بالزلازل، وطبقا لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية USGS فإنه لا وجود لإمكانية التنبؤ بالزلازل، وأن كل ما يمكن لعلماء الهيئة حاليا القيام به هو احتساب احتمال وقوع هزات أرضية في مكان ما بالعالم خلال سنوات معينة.

وتضيف الهيئة أن أيّ حديث عن توقع دقيق للزلازل هو كاذب للأسباب التالية: 

أولا غياب الأساس العلمي لهذه الادعاءات، فالهزات الأرضية لا علاقة بها بالغيوم أو بالنجوم أو بالأوجاع الجسدية وما إلى ذلك. ثانيا عدم امكانية هذه التوقعات على تحديد زمان ومكان ودرجة قوة الزلازل، وثالثاً أن هذه التوقعات تكون عامة جداً ولا تعطي أيّ تفاصيل محددة،  كالادعاء بأنه عاجلا أو آجلا سيحدث زلزال في منطقة تمتد للآلاف الكيلومترات وتشتهر بوجود فوالق وصدوع وصفائحها التكتونية نشطة! لذلك عندما يصدف ويحدث زلزال لا يمكن اعتبار هذه الادعاءات تنبؤات صحيحة لأنها عامة ولا تعطي تفاصيل محددة.


 











  • الزلازل وارتباطها بـ "توقف نواة الأرض" 




انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي ادعاء مفاده: بحسب دراسة علمية نشرها " Nature Geoscience " ذكر فيها أن نواة الأرض الداخلية توقفت عن الدوران! وأن لهذا التوقف الكثير من النتائج والتأُثيرات العالمية من بينها حدوث الزلازل. 

 انتشر الخبر على صفحات التواصل الاجتماعي مثل هنا ،هنا ، وهنا


وقد اتضح لأنير أن هذا الإدعاء مضلل ويمكن قراءة تفاصيل التحقق من هذا الخبر من هنا

حيث وضح المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية بمصر أنه لا علاقة بين الزلازل المتتابعة خلال المدة الأخيرة والدراسة المنشورة حول تغيّر سرعة دوران نواة الأرض.



  • الضوء الأزرق قبل الزلازل


انتشر هذا الخبر على صفحات التواصل الاجتماعي في ليبيا والبلدان العربية الأخرى لترويع الناس من أضواء زرقاء ظهرت في السماء، وربطها بقرب حدوث زلازل في هذه المناطق، أو ربطها بنظريات مؤامرة مثل كون الزلازل مفتعلة من قبل مشاريع بشرية.هذه بعض الأمثلة على انتشار الخبر في ليبيا هنا، وهنا وفي حسابات عربية أخرى هنا.



وقد تم تفنيد هذه الادعاءات من قبل العديد من المراكز العلمية في المنطقة، وفيما يتعلق بالأضواء الزرقاء فقد أوضح الرئيس السابق لقسم علم الزلازل في المعهد العالي للبحوث د. نضال جوني لـ شام إف إم أن الضوء الأزرق الذي شُوهد أثناء الهزة في سماء اللاذقية هو ظاهرة البرق الزلزالي الأزرق، وهي ظاهرة طبيعية نادرة ترافق حدوث الزلازل ذات الدرجة الكبيرة والتي تكون ذات بؤرة قريبة من السطح وليست عميقة.

إذ إن انزلاق الصفائح واحتكاكها الشديد يولد شحنات كهربائية يتم تفريغها في الجو، وقد تم توثيقها عدة مرات سابقًا في أماكن متعددة، وهي لا تحدث مع كل الزلازل بل مع أنواع محددة منها فقط، وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها في التنبؤ بالزلازل.

كذلك تقول هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية USGS أنه على الرغم من اقتراح الفرضيات القائمة على الفيزياء لشرح فئات محددة من تقارير البرق الزلزالي، مثل تلك الموجودة بالقرب من بؤرة حدوث زلزال كبير، فإنه من ناحية أخرى، تبين أن بعض تقارير الوميض الزلزالي مرتبطة بالكهرباء المنبعثة من اهتزاز خطوط إمداد الكهرباء أثناء حدوث الزالزال.



  • انسحاب البحر قبل حدوث التسونامي



التفسيرات المغلوطة الأخرى لتأثيرات الزلزال تمثلت في تفسير حركة الجزر والمد التي تزامنت في الكثير من الشواطئ العربية مع توقيت الزلزال، وربطها باحتمالية حصول موجات تسونامي مدمرة.


انتشرت هذه الإشاعات عبر صفحات التواصل الاجتماعي في ليبيا وتونس وغيرها من الدول ومن الأمثلة على ذلك: هنا، هنا،هنا وهنا




بالطبع هذه التفسيرات عارية عن الصحة، والتفسير الحقيقي لانسحاب البحر في الكثير من شواطئ المنطقة هو ظاهرة المد والجزر الطبيعية الناتجة عن جاذبية القمر. المصادفة فقط هي السبب في تزامنها مع وقت حصول الزلزال.
لتفاصيل أكثر، أنير قامت بالتدقيق في هذه الظاهرة في هذا المقال.

التحقق من الأخبار قبل نشرها واجب على الجميع



في كل مرة تقع عيناك فيها على شاشة هاتفك الذكي أو حاسوبك، ليطالعك الانترنت، بحجم لا نهائي من المعلومات والآراء و الأخبار، وفي كل مرة يخطف اهتمامك خبر جديد لامع، تذكر أن الكثير من الأخبار سريعة الانتشار هي في الواقع مزيفة،  وأن الآثار السيئة الأخبار المضللة لا تقتصر على "الكذب" أو نشر معلومة خاطئة، بل أنها في الغالب تسبب في حجب المعلومات الدقيقة واللازمة للتكاتف في أوقات الأزمات، ومن هذه الزاوية يكون الأشخاص الذين ينشرون الأخبار السيئة مخربين يسببون في أذى الغير بشكل مباشر. 


يمكنك التحقق من أي خبر تشك في صحته إما من خلال استخدام محركات البحث والاعتماد على مصادر موثوقة ودقيقة، أو من خلال التواصل  مع فريق تدقيق الحقائق الخاص بـ أنير. 


مواضيع أخرى قد تهمك